الاثنين، 23 نوفمبر 2015

حوار مع جريدة الحقائق الجزء الأول

صرح المفكر عبد القادر بوعرفة ان مشروع النهضة العربية مشروع سحري، وطوباوي حالم، لأنه غير مؤسس معرفيا ولا حضاريا، ذلك أن مشروع النهضة انطلق من سؤال غير مؤسس أصلا، ويقترح الدكتور بجامعة وهران للخروج من الأزمة التي يعاني منها العالم العربي والإسلامي اعتماد "مشروع الغرقد" الذي يعتبره النصر الاستراتيجي للأمة، انطلاقا من النطقة المركزية المتمثلة في نصرة القدس، عبر المرور عبر فكرة الإنسان المستقبلي .
•حاوره / محمد ابن الشاهد
الحقائق: من خلال كتابك معجم الفرق والملل والنحل بالجزائر هل هو خريطة لجغرافية النخب اليوم؟
 عبد القادر بوعرفة: تبدو بالفعل خريطة جغرافية للأنتلجنسيا الجزائرية بالخصوص، فالمعجم في طبعته الأولى كان مجرد نسخة أولية مختصرة، والغرض منه هو تحليل أسباب غياب الحواضر العلمية في الجزائر المعاصرة مقارنة مع دول الجوار، فغياب الحاضرة يعني انعدام وجود مدارس جزائرية أصيلة بطرحها ونهجها واستراتيجيتها، فالنخب الجزائرية لازالت لحد اليوم تعزف ضمن قنوات خارجية عنها فإما ميل نحو مدارس المشرق أو تحول نحو المدارس الغربية، وهنا تكمن التبعية.
أردت أن ألفت الانتباه أن الجزائر العميقة استطاعت في الماضي أن تزخر بحواضر علمية مثل بجاية، تلمسان، وتيهرت .... مما نتج عن ذلك مدارس فقهية وكلامية وأخرى صوفية أثرت في المشهد المعرفي العرب والإسلامي.
الحقائق:  صحيح أن الجمهور عزف عن التعاطي مع الخطاب الفلسفي أم أن النخب فشلت في تسويقه؟
 عبد القادر بوعرفة: أعتقد أن الأمرين معا، فالجمهور لا يتعاطى مع الخطاب الفلسفي باعتباره خطابا غير واقعي، بمعنى أنه لا يستفيد منه، فالفلسفة تحتضنها تاريخيا الطبقات الأرستقراطية أكثر مما تحتضنها الطبقات الشعبية، ذلك أن الخطاب الفلسفي نفسه خطابا نخبويا. ضف إلى ذلك، أن الخطاب الفلسفي في الجزائر لم يتشكل بعد، فأغلب ما نراه اليوم هو عبارة عن تدوين فلسفي أو كتابة فلسفية. ومن جهة أخرى، عندما نقوم بإحصاء للرسائل الجامعية في الفلسفة أغلبها يتجه نحو الفكر الغربي، فالجمهور ماذا يستفيد من إعادة شرح أفكار كانط، هيجل، ماركس، نيتشه، هبرماس، سارتر ... كما أن النخب لم تستطع أن ترتقي بالكتابة الفلسفية إلى مستوى الجمهور، وذلك من خلال البنية المتعالية، واللغة الاصطناعية، والمفاهيم المرنة، وكثرة القيل والقال وعدم حضور الذّات العّارفة في فهم واقع الجمهور وتقديم الرؤى التنويرية والنقدية التي تساهم في إصلاح العقل والفعل وفهم الواقع فهما ينخرط في عملية التغيير التدريجي لطبيعة المجتمع الجزائري.  
  الحقائق: بعد التحولات التاريخية الكبرى في السنوات الاخيرة هل ما زلت مرافعتك عن ملامح الإنسان المستقبلي قائمة؟ 
 عبد القادر بوعرفة: فكرة الإنسان المستقبلي فكرة أصيلة في بعدها المستقبلي، فكل ذات عارفة إلا وترنو إلى إبداع أنموذج عما ينبغي أن يكون عليه الإنسان من معكوس ما هو عليه. بيد أن التحولات التي حدثت في نهاية القرن العشرين وبداية الألفية الثالثة جعلتني أغير نظرتي فيما يكون عليه الإنسان المستقبلي من حيث البنية والمنهج، بمعنى آخر أن الإنسان الشاهد الذي قدمه مالك بن نبي وحاولت التنظير له لم يعد مجديا اليوم، ذلك أن المعادلة الحضارية لم تبق سجينة النظرة البنابية (الإنسان + الوقت + التراب = حضارة) بل الحضارة اليوم تفرض عدة معادلات لا معادلة واحدة، فالظاهرة الإنسانية ظاهرة معقدة وصعبة ولا يمكن أن نتعامل معها مثل الظاهرة الفزيائية. يجب اليوم أن نضيف كثير من العناصر لأي معادلة حضارية جديدة (المعرفة، المصلحة، الفضيلة، التعايش، التجاور، التحاور، الممكن، الاختلاف، التنوع، ....)
ومن جهة أخرى فمالك بن نبي تجاوزه الزمن في كثير من الأفكار والمواقف، إذ لم يعد الصراع اليوم صراعا جدليا ثوريا بل الصراع اليوم صار صراعا ذو طبيعة مرنة مصلحية أكثر، بمعنى أخر لا يمكن أن ننظر إلى الصراع مثلما نظر له مالك بن نبي في جل كتبه، لأنه ارتكز على واقعه الذي كان مشحن بالصراعات القطرية ذات التوجه الإيديولوجي. 
 الحقائق: تشتغل في حقول المعرفة الفلسفية هل هذه المعرفة هي التي تصنع الحقل المتحرر وتنجز أسياد العالم؟
 عبد القادر بوعرفة: كانت الفلسفة ولازالت في الدول المتقدمة هي التي تنتج سادة العالم بامتياز، ذلك أن الدولة ينبغي أن تكون لها مفهومية خاصة بها واستراتيجية واضحة، والفلسفة من حيث هي فكر نقدي تحليلي بنائي تستطيع أن ترسم للدولة خارطة طريق وأن تضع لها استراتيجية محكمة، الفلسفة هي التي صنعت الإسكندر المقدوني الذي فتح العالم القديم، وهي التي صنعت نابليون ... وفي العالم الإسلامي علم الكلام باعتباره فلسفة إسلامية هو الذي صنع المأمون وغيره من سلاطين الدولة العباسية، 
وفي الوقت المعاصر الفلسفة لا تصنع شخصيات ولكنها تصنع الدولة السيدة، لقد تحول الفكر الفلسفي من صناعة الرجال القادة إلى صناعة المؤسسة السيدة، أقصد أن الفلسفة أزاحت الإنسان واستبدلته بالمؤسسة، ذلك أن الرجل يزول والمؤسسة تحافظ على بقائها أطول فترة ممكنة. هنا يكم الفرق بيننا وبين الغرب، نحن في العالم العربي لازال الفكر يحاول أن يصنع الرجل السيد (الزعيم = عبد الناصر، بومدين، صدام، ...) بينما في الفكر الغربي اليوم يتجه نحو صناعة المؤسسة (جون راولس مثلا). 
 الحقائق: لماذا فشلت محاولات النهوض بالعالم العربي وبالذات ما يسمى النهضة العربية؟
 عبد القادر بوعرفة: أعتقد أن مشروع النهضة العربية مشروع سحري، أي مجرد مشروع طوباوي حالم غير مؤسس معرفيا ولا حضاريا، وهذا لا يعتبر حكما قاسيا، بل يعتبر حكما نقديا بحتا، ذلك أن مشروع النهضة انطلق من سؤال غير مؤسس أصلا تمثل في: لماذا تأخر العرب؟ (طرحه ليبرالي عربي سنة 1859) ثم أعاده مفكر إسلامي سنة 1870 بصيغة أخرى: لماذا تأخر المسلمون؟ 
أعتقد أن السؤالين المطرحين اتجها نحو فلسفة التبرير لا نحو فلسفة البناء، فالليبرالي فسر تأخر العرب بمبررات قومية قطرية محضة، محاولا أن يرسم معالم نهضة عربية من خلال العودة إلى النزعة القزمية العربية التي تبددت بفعل الدين، ولقد شكل مشروعه على بعض النجاحات التي حققتها بعض الأمم التي اتخذت من النزعة القومية إيديولوجية لها كألمانيا البسماركية. في حين نجد الإسلامي يخالف الطرح السابق، مبررا الانحطاط بابتعاد المسلمين عن الدين الإسلامي وعدم الاحتكام إلى قوانينه، ولذا يرى أن الحل هو القول بشعار " الإسلام هو الحل."     
نلاحظ أن حملة مشروع النهضة في القرن التاسع عشر انطلقوا أصلا من سؤال قاتل لحامله، فهو سؤال سحري في بعدها الماضوي والمستقبلي .... كان ينبغي للنهضة أن تنطلق من سؤال مُوتر يتمثل في سؤال كيف نتقدم؟ ذلك أن سؤال الكيف هو سؤال واقعي يجعل الذات لا تبرر انحطاطها بل تبحث في سبل تحررها وانعتاقها ... هو السؤال ذاته الذي طرحته النخبة اليابانية في القرن العشرين في منتصف الأربعينيات ... والآن لننظر أين وصلت اليابان وأين وصلنا نحن ؟ بالرغم أن مشروع نهضتانا سبق مشروع النهضة اليابانية بزمن.
يتبع

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق