الخميس، 11 أغسطس 2016

إيران والقوميات الحرب القادمة

بقلم صالح القلاب
هناك مؤشرات كثيرة، تدعمها حقائق فعلية، تدل على أن إيران باتت تعيش سلسلة من الأزمات الطاحنة؛ أولها الصراع المحتدم بين أجنحة النظام مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية التي من المفترض أن تُجرى في نهايات مايو (أيار) المقبل، والتي سيخوض غمار معركتها المتشددون المحيطون بالولي الفقيه علي خامنئي، و"المعتدلون" الذين يمثلهم حسن روحاني بدعم من محمد خاتمي وأيضًا من هاشمي رفسنجاني وحسين موسوي وغيرهم.
إن هذه هي الأزمة الأولى، أما الأزمة الثانية الطاحنة فعلاً فهي أنَّ هذا النظام المصاب بكل عقد التاريخ القريب والبعيد قد استغل التخاذل الأميركي في عهد هذه الإدارة البائسة فعلاً، وبادر إلى احتلال دولتين عربيتين هما سوريا والعراق، وهذا بالإضافة إلى التدخل في الشؤون الداخلية لليمن ولبنان ومملكة البحرين، مما أوصل إيران إلى أزمة اقتصادية حقيقية يبدو أنه لا شفاء منها على المدى القريب، وذلك في حين أنَّ حتى العرب الشيعة في بلاد الرافدين باتوا ينظرون إليها بوصفها دولة توسعية باغية لم تأتِ إليهم وإلى بلدهم إلا بالفقر والفساد والتناحرات الدموية والأزمات الداخلية التي دخلت مرحلة الانفجار.

ثم ولأنَّ التمدد "الاحتلالي" في هذه المنطقة بات يشكل عبئًا ثقيلاً على إيران فقد أصبحت تواجه مأزقًا فعليًا في ظل ارتخاء قبضة المرشد العام - الولي الفقيه، وفي ظل احتدام الصراعات الداخلية بين أركان الحكم ورموزه، مما جعل طهران تحت ضغط هواجسها الكثيرة تلجأ إلى سلاح الإعدامات الذي كانت لجأت إليه بعد انتصار ثورة فبراير (شباط) 1979 بنحو عام، عندما نَصبتْ أعواد المشانق، وقامت بحملات الإعدام الشهيرة التي تمت ضد الأكراد في كرمنشاه.
إنَّ إعدام العالم النووي الإيراني (الكردي) شهرام أميري مثله مثل إعدام عشرين كرديًا من بينهم أطباء ورجال دين من الطائفة السنية قد جاء وبهذه السرعة لقطع الطريق على استئناف الثورة المسلحة، إنْ في المناطق الكردية في كرمنشاه وإيلام ومهاباد، وإنْ في المناطق العربية في الأحواز وعربستان، وإنْ في بلوشستان على الحدود الإيرانية - الباكستانية، وحقيقة فإن مثل هذا كان قد حصل في عامي 1980 و1983 وقبل ذلك بكثير، أي في عام 1878 في عهد الدولة القاجارية، عندما تم إعدام الشيخ عبد الله النقشبندي ومعه نحو عشرة آلاف من أبناء شعبه الكردي، ولاحقًا عندما تم إعدام قاضي محمد رئيس دولة مهاباد الشهيرة في عام 1946، ومعه نحو ألفٍ ومائتين من الذين شاركوا في إقامة تلك الدولة القصيرة العمر.
وهكذا واستنادًا إلى مسيرة أصبح عمرها الآن أكثر من سبعة وثلاثين عامًا، فإن إشهار نظام الولي الفقيه لسلاح الإعدامات الكيفية السريعة، يعني أن هناك ثورة مسلحة قادمة على الطريق لا محالة، وهنا وللتذكير فإن هذا كان قد حصل وبأرقام فلكية وصلت إلى مئات الألوف عندما اضطر «مجاهدين خلق» بقيادة الرمز الإيراني التاريخي المقاوم مسعود رجوي إلى حمل السلاح بعد انقلاب الخميني عليهم، ورَفْضِ مطالبهم التي تمثلت، بعد انتصار ثورة فبراير (شباط) عام 1979، في الديمقراطية والدولة المدنية والاحتكام للانتخابات في كل شيء، وإعطاء الأقليات حقوقها التي تصل إلى الحكم الذاتي وأكثر.
كان هذا الحزب الديمقراطي الكردستاني - الإيراني الذي استأنف القتال مؤخرًا، بعد توقف دام لنحو سبعة وعشرين عامًا، قد أعلن وقف إطلاق النار في عام 1989، وانتقل زعيمه عبد الرحمن قاسملو إلى فيينا على رأس وفدٍ قيادي لملاقاة وفدٍ رسمي من طهران، للتفاوض لحل مشكلة الأكراد الإيرانيين، الذين يقال: إن عددهم قد تجاوز الاثني عشر مليونًا، في حين أن هناك من يقول: إن الرقم الفعلي يدور حول الملايين السبعة، وعلى أساس الحكم الذاتي الحقيقي في إطار دولة فيدرالية ديمقراطية مدنية وتعددية، الاحتكام فيها لصناديق الاقتراع والانتخابات الحرة.
لكن ما إن وصل هذا الوفد «المفاوض» الذي أرسلته طهران إلى العاصمة النمساوية حتى تحول إلى مجموعة من القتلة، وقام باغتيال هذا الرمز الكردي الكبير، عبد الرحمن قاسملو، في الثالث عشر من يوليو (تموز) عام 1989، ومعه اثنان من رفاقه، وحيث ساد اعتقاد في ذلك الوقت، وبقي سائدًا حتى الآن، أن الذي اتخذ هذا القرار، وأيضًا قرار اغتيال قائد الحزب الديمقراطي الكردستاني - الإيراني الجديد صادق شرفكندي الذي كان قد جاء بدوره إلى برلين في سبتمبر (أيلول) من هذا العام نفسه للتفاوض ومعه ثلاثة من مساعديه كان مصيرهم مثل مصيره، هو هاشمي رفسنجاني، ومعه الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد.

وهذا يدل على أن هذا النظام الإيراني، الذي هو من أحبط اتفاقًا واعدًا كان قد أبرمه أكراد العراق مع الحكومة العراقية في عهد حكم حزب البعث، لا يمكن أنْ يقبل بأي صيغة تعطي للأقليات القومية في إيران حق الحكم الذاتي ولو في حدوده الدنيا، وتعطي للإيرانيين، بدل هذه الدولة الاستبدادية التي يحكمها رجل واحد هو الولي الفقيه، الحق في أن تكون دولتهم جمهورية - مدنية، وأن يكون نظامهم ديمقراطيًا، وأن تكون مرجعيتهم إلى هذا كله صناديق الاقتراع، مما يعني أنَّ الشرارة التي أطلقها حزب العمال الديمقراطي الكردستاني - الإيراني، واستأنف في إطلاقها «الكفاح المسلح»، لنيل حقوق شعبه بعد توقف استمر منذ عام 1989، سوف يشمل وقريبًا الأقليات القومية في إيران بمعظمها إنْ ليس كلها، ومن بينها عرب الأحواز الذين اضطروا إلى حمل السلاح مؤخرًا بعد معاناة طويلة، والبلوش والأذاريون، وكثير من المجموعات الأخرى الصغيرة.

لقد حاول نظام الملالي الاستبدادي والمتخلف بترحيل هذه الأزمة المتفاقمة، أزمة الأقليات القومية المطالبة بحقوقها المشروعة، إلى الخارج، عندما بادر إلى غزو العراق واحتلاله، وعندما ذهب بعيدًا، وبادر إلى هذا التدخل الاحتلالي السافر في الشؤون الداخلية السورية واليمنية وأيضًا اللبنانية والبحرينية، وكل هذا بالإضافة إلى نزعته التوسعية التي تستند إلى ادعاء مزعوم يعتبر أن من حق إيران، التي أصبحت دولة إقليمية رئيسية، أن تتمدد في هذه المنطقة التي هي منطقة عربية، وأن تستعيد ما تعتبره أمجاد فارس القديمة!!
ويبقى أنه لا بد من القول للذين يتساءلون عمّا إذا كان «مجاهدين خلق» سيستمرون بأسلوب معارضتهم السِّلمية الحالي، بعدما تلقوا تلك الضربة القاصمة بعد الغزو الأميركي للعراق في عام 2003، واحتلال نظام الملالي بلاد الرافدين؛ إنَّ مؤتمر باريس الأخير الذي انعقد بحضور شعبي إيراني غير مسبوق، وبحضور عربي ودولي مميز، بالإمكان اعتباره خطوة فعلية على طريق العودة إلى العمل العسكري، مما يعني أنَّ المقاومة الإيرانية سوف تستأنف القتال بمجرد استكمال ترتيب أوضاعها وإقامة التحالفات المطلوبة والضرورية جدًا لهذه الانتقالة القريبة المتوقعة.

الثلاثاء، 9 أغسطس 2016

هل التسامح مفهوم غربي د. زكي الميلاد

هل التسامح مفهوم غربي؟

أمام هذا السؤال الجدلي والإشكالي مجددا والمثار في المجال العربي، هناك من يرى أن التسامح إنما يعبر عن ثقافة مسيحية غربية مشبعة بالاستسلام، وتقديم الخدين معا للصفع كعربون لمقام الصفح، ونادت بهذا المفهوم المسيحية زمن الاضطهاد لتجد مبررا للتعايش، وتعطي للقوة المتغطرسة مجالا واسعا للطغيان والاستبداد، وكان من نتائج هذه التسامحية الغربية الدينية حلول عصر الظلام الغربي.
ذهب إلى هذا الرأي الباحث الجزائري الدكتور عبدالقادر بوعرفة، وشرحه في تصديره لكتاب (التسامح.. الفعل والمعنى) الصادر سنة 2010م، وتمم هذا القول بالدعوة إلى التحول والانتقال من خطاب التسامح إلى خطاب العفو، باعتبار أن التسامح في نظره هو مفهوم غربي مسيحي ينزع نحو الضعف والاستسلام، بينما العفو هو مفهوم إسلامي قرآني ينزع نحو القوة والرفعة.
والملاحظ أن هذا الرأي ظهر عليه امتزاج الحس النفسي الرافض، بالحس السياسي الغاضب، بالحس الأيديولوجي الشكاك. الحس النفسي الرافض ظهر عند الدكتور بوعرفة بقوله: أرفض من تلقاء نفسي مفهوم التسامح؛ لأنه يعكس السلب والضعف. وظهر الحس السياسي الغاضب بقوله: يزداد خطاب التسامح انتشارا وتداولا في العالم، لكنه يخفي خبثا أيديولوجيا، فالتسامح يعرضه الكبار كسلعة إلى عالم الصغار، فالكبار لا يمارسون التسامح ولكنهم يدعون الصغار إلى ممارسته، بيد أن المقام يفرض الاعتراف بأن قيم التسامح والسلم العالمي يصنعها الأقوياء لاستحمار العالم.
وظهر الحس الأيديولوجي الشكاك في موقف بوعرفة عند قوله: إن مصطلح التسامح لم يدخل إلى الثقافة العربية إلا في نهاية القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين عن طريق كتابات بعض المسيحيين العرب.
أمام هذا الرأي المثير للجدل، يمكن القول إن هناك جانب اتفاق وجانب اختلاف، جانب الاتفاق يتحدد في أن الدكتور بوعرفة فتح أفق العلاقة بين مفهومي التسامح والعفو، ووضعهما في دائرة الضوء والنظر.
وجانب الاختلاف يتحدد في أن النظر لمفهوم التسامح كان متجها إلى الخارج، وناظرا إلى الآخر البعيد وتحديدا إلى الآخر غير المسلم، ولم يلتفت إلى الحاجة لتطبيقات التسامح في نطاق الداخل الإسلامي بين المسلمين، وهو المجال الحيوي الراهن لتطبيقات التسامح، وفي هذا النطاق لسنا بحاجة إلى اقتران التسامح بالقوة، وإنما إلى اقترانه باللين والعفو والصفح والجود والعطاء والرحابة، وهي مجموع الصفات المعبرة عن الحقل الدلالي اللغوي لمفهوم التسامح في اللغة العربية.
من جانب آخر، وفي سياق مختلف، هناك من يرى أن التسامح كان موجودا في التراث العربي الإسلامي، لكنه لم يكن بذلك الوضوح الذي تجلى في الفكر الأوروبي الحديث.
ذهب إلى هذا الرأي الباحث الأردني الدكتور محمد أحمد عواد، وأبان عنه وشرحه في مقالة بعنوان: (منطلقات التسامح عند الفلاسفة المسلمين)، نشرها في مجلة التسامح العمانية العدد الأول شتاء 2003م/‏ 1423هـ.
ولعل هذا الرأي ينطلق من حالة الوضوح في جانب، ومن حالة عدم الوضوح بالقدر الكافي في جانب آخر، من حالة الوضوح في جانب علاقة الفكر الأوروبي بمفهوم التسامح بحكم وجود الكتابات المعروفة والمتداولة في هذا الشأن، ومن حالة عدم الوضوح بالقدر الكافي في جانب علاقة الفكر العربي والإسلامي بمفهوم التسامح لقلة الدراية على ما يبدو بالكتابات في هذا الشأن، وعدم شهرتها في المجال التداولي العام.
وحقيقة الأمر أن التسامح لم يكن موجودا في التراث العربي الإسلامي فحسب، بل كان موجودا وحاضرا حتى في الكتابات المعاصرة بصور وأنماط مختلفة، وظهرت هذه الكتابات وجاءت في أزمنة متعاقبة ترجع إلى مطلع القرن العشرين، وتمتد إلى حقبة الستينات وما بعدها، واتصلت بأرضيات وسياقات فكرية وتاريخية متنوعة.
ويكفي للدلالة على ذلك الإشارة إلى ثلاث محاولات جاءت من ثلاثة أسماء معروفة، هي محاولة الشيخ محمد عبده سنة 1902م، الذي قدم جهدا في تأسيس أصول التسامح في الإسلام، ولو أن كتابه الذي جمعه تلميذه الشيخ محمد رشيد رضا ووضع له عنوان: (الإسلام والنصرانية مع العلم والمدنية)، لو أنه حمل عنوانا آخر فيه تسمية التسامح لكان للكتاب شأن مختلف، ولتغيرت بقدر ما صورة مفهوم التسامح وعلاقته بالمجال العربي والإسلامي.
والمحاولة الثانية جاءت من الشيخ محمد الغزالي في كتابه (التعصب والتسامح بين المسيحية والإسلام) الصادر سنة 1953م، والمحاولة الثالثة جاءت من الشيخ محمد الطاهر بن عاشور في كتابيه (مقاصد الشريعة الإسلامية) الصادر سنة 1946م، وكتاب (أصول النظام الاجتماعي في الإسلام) الصادر سنة 1964م، في كتاب المقاصد اعتبر ابن عاشور أن السماحة هي أولى أوصاف الشريعة وأكبر مقاصدها، وفي كتاب أصول النظام الاجتماعي اعتبر ابن عاشور أن التسامح من خصائص دين الإسلام، ومن أشهر مميزاته وأدل حجة على رحمة الرسالة الإسلامية.
وحاصل الكلام أن التسامح ليس مفهوما غربيا ينتمي إلى المجال الأوروبي، ويتحدد بفضائه وتاريخه وثقافته وتراثه، كما ظن البعض خطأ أو سهوا، وإنما هو مفهوم إسلامي ثابت وأصيل، عرفت به الشريعة الإسلامية، ووصفت بالشريعة السمحة، وظلت متلازمة بهذا الوصف البديع، ومن شدة هذه الملازمة وعمق هذه الصلة بين الشريعة والتسامح، أصبح من يكتسب المعرفة الدينية يطلق عليه صاحب السماحة، كما هو الوصف الذي يطلق على علماء الدين المسلمين.
أما في المجال الأوروبي فقد عرف مفهوم التسامح حديثا، وشهد تطورا ومتابعة منذ النصف الثاني من القرن السابع عشر الميلادي، وبقي متجددا ومتراكما، وتحددت له وجهة غير الوجهة التي تحددت له في ساحة الفكر العربي والإسلامي.

حقيقة العلاقة بين الجمهوريّة الشيعيّة والدولة اليهوديّة

د. على بوظو
على عكس ما يتوقّعه كثيرون , هناك في الولايات المتّحدة الأمريكيّة لوبي قوي موالي لنظام آيات الله في إيران، و هو من أقوى منظّمات الضغط في واشنطن في الوقت الحالي و قد إزداد نفوذ و نشاط هذا اللوبي في السنوات الأخيرة نتيجة التقارب بين الإدارة الأمريكيّة الحاليّة و طهران . و لهذا اللوبي مجموعة واسعة من المنظّمات من أهمّها "الرابطة الوطنيّة للأمريكيّين الإيرانيين" و أغلب أعضائها البارزين من الأثرياء من أصول إيرانيّة و الّذين يمتلكون علاقات واسعة مع المسؤولين الإيرانيين الحاليّين و على رأسهم هاشمي رفسنجاني و حسن روحاني و هم من أركان نظام ولاية الفقيه ,  يتولّى رئاسة هذه الرابطة تريتا بارسي الحائز على شهادة الدكتوراة من جامعة جون هوبكنز كما أنّ صداقة تجمع هذا الأخير مع جواد ظريف وزير الخارجيّة الإيراني . أقامت هذه الرابطة كثيرا من النشاطات و الندوات في السنوات الأخيرة في الولايات المتّحدة للترويج للإتّفاق النووي و لشرح طبيعة العلاقة الإيرانيّة الإسرائيليّة للرأي العام , و في إحدى هذه المحاضرات يقول تريتا بارسي حرفيّا : "إيران هي الصديقة الحميمة لإسرائيل و نحن نرغب في الحفاظ على تلك العلاقة مع طهران" ثم يلتفت للحضور و يشرح لهم : من قال هذا الكلام هو رئيس وزراء إسرائيل إسحاق رابين و لم يقله بزمن الشاه بل عام 1987 عندما كان آية الله الخميني حيّا و كان يستعمل أسوأ الخطابات تجاه إسرائيل , و لكنّ ما قاله رابين أن إيران صديق إستراتيجيّ و إنّ ما يسمّيها الإعتبارات الجيوسياسيّة هي الأساس في العلاقات بين الدول مهما كان الخطاب الإعلامي مختلف.
ولتأكيد العلاقة القويّة بين الشعبين الإسرائيلي والإيراني يعود بارسي للتاريخ القديم ليوضّح التحالف التاريخي بين الشعبين عندما أنقذ الفرس بقيادة ملكهم قورش اليهود من إستعباد البابليّين لهم، ثم يشرح للحضور عن أنّ أكبر جالية يهوديّة في الشرق الأوسط بعد إسرائيل موجودة في إيران اليوم في عهد الجمهورية الإسلامية , ثمّ يتابع كلامه عن التعاون الإستخباراتي و الأمني المتواصل بينهما نتيجة إدراك البلدين للتهديدات المشتركة الّتي يتعرّضون لها و خاصّة من الدول العربيّة القويّة، و يتابع تاريتا: لقد كانت هذه العلاقات دائما سرّية لذلك أنشأ الشاه بوّابة خاصّة بمطار طهران للطيران القادم من إسرائيل بعيدة عن باقي البوّابات حتّى لا يرى باقي المسافرين أو يعرفوا الأعداد الكبيرة من الإسرائيليين القادمين و المسافرين لإيران ، و يتابع إنّ هذا الموضوع لم يتبدّل بعد الثورة الإسلاميّة لأنّ التهديدات المشتركة للبلدين لم تتغيّر.
إنّ حقيقة ما يقصده بارسي و الّذي عبّر عنه بطريقة مواربة هو أنّ للجمهوريّة الإسلاميّة في إيران و لدولة إسرائيل نفس العدو، ألا و هو المحيط السنّي، و أنّ أسباب المشروع النووي الإيراني لا تختلف من ناحية الجوهر عن المشروع النووي الإسرائيلي لأنّه وسيلة لتعويض النقص الكبير في القوّة البشريّة مقارنة بهذا المحيط الهائل , كما أنّ هناك نقطة أخرى لا تقلّ أهمّية و هي أنّ الدولتين تقومان على أساس ديني و وجود أحداهما يعطي مبرّرا لوجود الأخرى خاصةً مع معزوفات الغضب و الكراهيّة والّتي تؤدّي لتماسك أكثر في مجتمعاتهما، و كذلك في محاولة لبثّ الروح في مشروع لم يعد مألوفا اليوم، و هو قيام دولة على أساس ديني .
ما قاله بارسي في محاضرته عن التحالف الموضوعي بين البلدين نجد له تأكيدات كثيرة خلال العقود الماضية، و من أوضح الأمثلة على ذلك ما عرف بإسم إيران كونترا و هي الفضيحة الكبرى في نهاية الثمانينات حين تمّ إكتشاف قيام الولايات المتّحدة- و الّتي كان الإعلام الإيراني يصفها، منذ ذلك الحين، بالشيطان الأكبر-  بتوريد أسلحة و صواريخ و ذخيرة إلى إيران أي "محور الشر" حسب الإعلام الأميركي، و تمّت هذه الصفقات عبر وسيط ثالث حتّى لا يتم إكتشاف العمليّة، و لم يكن هذا الوسيط سوى "الشيطان الأصغر" شخصيّا أي إسرائيل !! و أكثر من ذلك كانت إسرائيل قد أرسلت من مستودعاتها الخاصّة ما إحتاجته إيران خشية تأخّر وصول الأسلحة من الولايات المتحدة و تعرّض الحرس الثوري الإيراني للخطر من طرف العراق !!
هذه الصفقات حصلت بعد عامين فقط من عمليّة إحتجاز الرهائن في السفارة الأمريكيّة في طهران , كما أنّها ليست عمليّة منفردة بل سلسلة طويلة من عمليّات توريد الأسلحة و الذخيرة لإيران إستمرّت لعدّة سنوات في منتصف الثمانينات من القرن العشرين . و أثناء عمليّات تصدير السلاح بشكل سرّي في منتصف الثمانينات كانت إيران قد أنشأت حزب الله في لبنان، و الّذي قام وقتها بكثير من عمليّات إختطاف الرهائن الغربيين و بينهم أمريكيّين ليتمّ إطلاق سراحهم لاحقا مقابل فدية ماليّة أو حتّى قتلهم , كما كان الإعلام الإيراني في أوج حملاته على أميركا و إسرائيل بينما كانت طائرات هذه الدول تشحن الأسلحة لإيران سراً !!.
و عندما ننظر بعد سنوات من إيران كونترا إلى غزو الولايات المتحدة للعراق و أفغانستان، و بالتنسيق مع إيران، ينتابنا المزيد من الشكوك حول حقيقة الموقف الأميركي في المنطقة .
خلال هذه الأحداث إستفادت إيران إستراتيجياً أكثر من أي طرف آخر و بمراحل، و قد قال الكثير من القادة السياسيين و العسكريين الأمريكيين أنّ الولايات المتحدة قد غزت العراق ثم سلّمته لإيران و هذا تماماً ما حدث , فالولايات المتحدة دخلت اليابان و ألمانيا و كوريا الجنوبية في الأربعينات و الخمسينات لكنّها لم تنسحب حتّى لا يدخل الجيش الأحمر الروسي أو الصيني بينما فعلت ذلك في العراق ليدخل الحرس الثوري الإيراني !!! .
و بالعودة للإتّفاق النووي و عند مناقشته في الولايات المتّحدة إنقسم اليهود الأمريكيين بين مؤيد و معارض للإتّفاق،  و قد قيل إنّ بعض المعارضين له من الإسرائيليين كانت معارضتهم بسبب الخوف من حلف أميركي إيراني في المنطقة يهدّد مكانة إسرائيل و أهميّتها في الشرق الأوسط بالنسبة للمصالح الأمريكيّة , كما لو أنّ هناك تنافس بين إسرائيل و إيران على من له مكانة أهمّ عند الحليف المشترك الأميركي !!, و إنتهت المفاوضات بإتّفاق يقضي بتجميد المشروع النووي لسنوات معدودة فقط مع مكافأة إيران ب 150 مليار دولار في تسوية لم يرضى عنها أحد وسط دهشة و إستغراب و إستنكار حلفاء الولايات المتحدة التقليديّين  .
أمّا فيا يخص الثورة السوريّة فهي بحدّ ذاتها تقدم أوضح مثال على العلاقة الوثيقة الّتي تربط "الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة" بالولايات المتحدة و إسرائيل، فقد غضّ الطرفان النظر عن آلاف و آلاف من الميليشيات الشيعية و الحرس الثوري الإيراني الذين قدموا عبر الجو و البحر و البر لدعم نظام الأسد، بل و إعتبروا وجودهم في سوريا أمرا طبيعيّا مثلما إعتبروا وجودهم في العراق و لبنان! و كانت صور قاسم سليماني تظهر في كل المناطق السوريّة و الذي من المفروض أنّه من المطلوبين لإرتكابه أعمالاً إرهابيّة بالنسبة لكل من الولايات المتحدة و إسرائيل و لا يمكن أن تخفى تحرّكاته في سوريا على مخابراتهم! كل هذا و الولايات المتحدة تستهدف و تقصف ما يسمّونه التطرّف الإسلامي السنّي و يغضّون النظر تماماً عن التطرّف الإسلامي الشيعي مهما إرتكب من جرائم في سوريا و العراق بل و العالم كله. لذا عندما نسمع خطابات حسن نصر الله و قادة الحرس الثوري و فيلق القدس الناريّة و الّتي تدعوا لتدمير إسرائيل بوجوه غاضبة و أوداج منتفخة , و مشاهدة الوقاائع و الأدلّة المعاكسة تماما لهذا الكلام على الأرض , من حقّنا أن نتساءل عن درجة الصفاقة و الوقاحة الّتي يملكها هؤلاء الخطباء! 

الأحد، 7 أغسطس 2016

إيران تعدم العالم النووي شهرام أميري بعد 6 سنوات اعتقال

نفذت السلطات الإيرانية، حكم الإعدام بحق العالم النووي الإيراني شهرام أميري، الذي كان معتقلا منذ عام 2010.

ونقلت شبكة "بي بي سي" عن والدة العالم شهرام أميري، قولها إن جثة ابنها أُعيدت إلى مسقط رأسه، و"فيها علامات حبل حول الرقبة، تُظهر أنه شُنق"، فيما دُفن أميري في وقت لاحق.

وكان أميري محتجزا في مكان سري بعد عودته من الولايات المتحدة، حيث قال إنه اختطف من قبل وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (سي آي إيه).

وتشير تقارير إلى أن أميري كان يمتلك معلومات مهمة للغاية عن برنامج إيران النووي، فيما اختفى أميري الذي ولد عام 1977، بعد أداء الحج بمكة عام 2009.

وبعد عام، ظهر العالم النووي في الولايات المتحدة، وقال إن الـ"سي آي إيه" اختطته ووضعته تحت "ضغوط نفسية شديدة للكشف عن معلومات حساسة".

وفي مقطع فيديو، سُجل على ما يبدو في الولايات المتحدة، قال أميري: "أخذوني إلى منزل يقع في مكان ما لم أعرفه. أعطوني حقنة مخدر".

وقال أميري في مقطع آخر، إنه فرّ من مكان احتجازه في الولايات المتحدة. وعاد إلى طهران عام 2010 واستقبل استقبال الأبطال.

وفي حينها نقلت "بي بي سي" عن مسؤولين أمريكيين قولهم، إن أميري قد انشق بإرادته الحرة وقد أمدّ الولايات المتحدة بـ"معلومات مفيدة".

وفي وقت لاحق، ذكرت تقارير أنه حكم عليه بالسجن مدة طويلة بعد عودته إلى طهران.
المصدر العربي 21  http://arabi21.com/story/933266/