السبت، 27 يناير 2018

الأمن والمواطنة

الأمن والمواطنة
Security and Citizenship
***
    يُعد الأمن ضرورة حضارية واستراتيجية سياسية ملحة في عالم يتغذى على مقولات الصّدام والصّراع، فالأمن من حيث بعده الماهوي يتجه صوب تمكين الدولة من تحقيق بنود العقد الاجتماعي المبرم بين السّياسي والمواطن، ومن هنا يصبح الأمن فلسفة قائمة بذاتها من حيث منظومتها القيمية والاصطلاحية، ومؤسساتها المتنوعة. لا يقتصر الأمن على مؤسسات الرقابة والعقاب، بل الأمن هو مجموع الاحترازات التي تقوم بها الدولة من أجل سلامة ترابها ووحدة شعبها وسيادة مؤسساتها. وعليه، يصبح الأمن مفهوما واسعا مرتبطا أشد الارتباط بالرؤية الاستراتيجية للدولة والأنتلجنسيا، فالأمن أنواع وأصناف، كالأمن: الفكري، الغذائي، اللغوي، القومي، الاقتصادي، ....
    يعتقد أغلب الفلاسفة بأن الأمن قبل أن يكون واقعا مجسدا لا بد أن يكون شعورا وطنيا، وسلوكا مُعاشا، وثقافة يومية ... فالأمن لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال توطيد العلاقة التفاعلية بين المواطن والدولة، ثم العلاقة التشاركية بين المواطن والمؤسسة الأمنية .....
    إن أبرز ما يُفقد المواطن شعوره بالأمن هو سيطرة الخوف كما يقول توماس هوبز، وقد أكده قبل ذلك الفيلسوف ابن رشد حين اعتبر أن من علامات ضعف الدولة وقرب زوالها انتشار الرعب والخوف، وزوال معالم الأمن والاستقرار داخل المجتمع المدني بالخصوص.
      إن تجسيد الأمن على جميع أصعدته من شأنه أن يُقلص الهُّوة بين المواطن وأجهزة الأمن، ويُحدد أيضا هٌوية الدولة المعاصرة المبنية أساسا على فكرة المواطنة. ليست المواطنة ذلك الشعور بالانتساب إلى حيز جغرافي مغلق (وطن) بفعل عامل النّسب أو الاكتساب، بل هي ذلك شعور العميق بالانتماء إلى جذور ثقافية تمتد في أديم الجغرافيا السياسية المتقلبة.

   نعتقد أن المواطنة هي ذوبان الفرد في الكل والكل في الفرد حسب لغة جون جاك روسو، هذا الذوبان يُفضي إلى وجود علاقة طردية بين المواطن والدّولة. وعليه، تصبح المواطنة عقد اجتماعي وحضاري يفرض على الدولة حماية المواطن وصيانة حقوقه، ويفرض على المواطن الطاعة والامتثال للقانون وتأدية واجباته .... ومن خلال تلك العلاقة يصبح الأمن من صميم المواطنة الحقة، ويغدو فعلا تشاركيا لا فعلا أحاديا، فالأمن يصنعه المواطن بوعيه والتزامه أولا، وتجسده المؤسسة بوسائلها القانونية والوقائية ثانيا.