الاثنين، 18 مارس 2019

المثقف والحراك الشعبي الحكمة والمغامرة



أد/ بوعرفة عبد القادر/ جامعة وهران2
نشرت في ندوة صحيفة "الخبر" التي أدارها الكاتب والإعلامي حميد عبد القادر حول "الحراك الشعبيّ ومهام المُثقف الجديدة" (17/03/2019).
***********
       يجمع أغلب من درسوا مكانة المثقف في المجتمعات العربية المعاصرة، أن هناك شرخا كبيرا بين المثقف والشارع، وهناك أيضا سدا منيعا بينه وبين السلطة ومراكز صنع القرار.
  إن هذا التوصيف يجعل من دور المثقف اليوم دورا صعبا، فالحراك الشعبي يسير بمتتالية هندسية، بينما المثقف لا زال يسير وفق متتالية حسابية، هذا الوضع يعطي تجار السياسة والأفكار القاتلة الفرصة لتأطير الحراك الشعبي تأطيرا إيديولوجيا لا تأطيرا فكريا، ويكون الحال أننا سننتج بعد فترة من الزمن النظام نفسه الذي نحاول اليوم تغييره، وتجربة الهوندراس ليست ببعيدة.
  إن دور المثقف مهم للغاية، أكثر مما نتصوره اليوم، وأكثر مما نظر له أنطوني غرامشي أصلا، فالحراك الشعبي إذا لم يؤطره الفعل الثقافي الهادف تحول إلى طوفان مدمر، قد يقود المجتمع إلى العودة إلى عشريات الدم والنار في حالة التهور، وقد يؤدي إلى التمكين للنظام في حالة عدم وعي شروط التغيير والإصلاح.
   ويبدو أن المثقف الجزائري بالخصوص حبيس حساباته وتأويلاته، مما يجعله لا يتحرك إلا بعد فوات الآوان، وإذا تحرك لا يكاد يُسمع صوته إلا على مستوى البلاتوهات، في حين أن العالم اليّوم تؤطره وسائل التواصل الاجتماعي أكثر من أي وسيلة آخري. وعلى المثقف اليوم أن يؤدي ضريبة الثقافة من خلال:
1-               ترشيد الحراك ترشيدا سياسيا، فالحماس المفرط والنشوة اللحظية قد تقود إلى التهور والتّيه. يستطيع المثقف من خلال حمولته المعرفية والتاريخية أن يضع الحراك ضمن منطق التدرج في المطالبة والمغالبة، لأن ما يحرج السلطة القائمة هو الفعل الحذر والموزون للحراك الشعبي، وكل تهور واندفاع يكون في صالح النظام.
2-               كشف خيوط اللعبة السّياسية، وتبيان اللامنطوق، وقراءة النّصوص خاصة الدستورية والسياسية قراءة تأويلية، حتى لا يقع الحراك في أحبولة من أتقنوا قراءة مكيافيلي وهوبز.
3-               وضع أرضية فكرية لمتطلبات التغيير، وضبط المفاهيم والمصطلحات، وتأسيس مجتمع مدني واعي بالتغيير وسننه.
4-               ضرورة أن يعمل المثقف على تزامن ثنائية التنوير والتثوير في الوقت نفسه، فالعمل الثوري بدون رؤية فكرية سيكون مآله الفشل، والوقوع في شراك سلطة الظل التي تتقن المناورة.
5-               يستطيع المثقف أن يمنع تجار الدين والسّياسة من أن يغيروا سلمية الحراك، وتحويله إلى حراك مدمر، قد يؤدي إلى تدمير الوطن برمته.
6-               وأكبر ما يجب على المثقف فعله، ألا يتحول إلى تاجر باسم الثقافة، وأن يقتنص الفرص وفق ذهنية برومثيوس سارق النار والفن والسّياسة.