الجمعة، 22 سبتمبر 2017

التجربة الجمالية في الفن الإسلامي/ الأسس والمنطلقات



صدر في شهر سبتمبر 2017 كتابي الموسوم : التجربة الجمالية في الفن الإسلامي/ السس والمنطلقات
عن دار NOOR الألمانية
***************************
يتجه الفكر الحديث والمعاصر في زمن سلطة العلم ونزعة التّخصص نحو جعل كل حقل من حقول الفكر علما قائما بذاته، على غرار ما حدث في علم النّفس وعلم الاجتماع والسّياسة والاقتصاد... وعلى غرار ما سبق، حاول بعض المُتخصصين في الجمال أن يجعلوه علما قائمًا بذاته، يشترك مع الفن في المقدمات العامة غير أنّه يتميز عنه بقواعد ومعايير مختلفة، ومجالات خاصة، نظرا لأن الجمال حقلٌ أكثر تخصصا من الفن من حيث موضوعه الرّئيسُ وقيمه المتعالية، وذلك لارتباطه بالذّات كموضوع غير مفصول عن موضوعات الإدراك والذّوق.
     قد لا أكون ممن يناصرون فكرة القول بعلم الجمال* لأنّني أعتقد أن الجمالَ موضوعٌ متحررٌ من القيود والمعايير الضّيقة، فهو كالخيول البرية التي تَجِدُ طَبِيعَتَها في التّوحش، أو في صور الطبيعية التي تحتكم لمبدأ اللاّقانون، ومن جهة أخرى، لا تحتمل طبيعةُ الجمال التّقنينَ ضمن أطر إبستيمية أو قواعد عقليّة صارمة، أو أن يحكمها منطق سكونيٌّ كميٌّ.
      وأعتقد في هذا المجال بالذّات، بأن الجمال يفقد جماليته عندما يُصبح أسير المنهج والقاعدة العلمية، وأن معايير الحكم على موضوعاته تنفر من القيم الجاهزة، لأن القيّمة الجمالية قيمة ذوقية قبل أن تكون قيمة عقلية أو علمية. ومن ناحية أخرى، نجزم بأن العمل الفني يندرج ضمن مجال الممكن والمتخيل والواقعي، والممكن يعطي فضاءً من الحرية للفنان، مما يجعله يطلق العنان لمخيّلته وشعوره وحدسه، عندئذ لا يعترف بحدود ولا قواعدَ، بل يصبح الهدف هو التّعبير عن المعنى المُنْشَأ لحظة إدراكه إدراكا فنيا أو جماليًّا، وفق قاعدة الممكن والمُتخيل:" الاعتراف بمجال الممكن في العمل الفني يفترض كنتيجة حتمية الاعتراف بفضل المخيلة والإبداع الإنساني، وذلك ما لم يكن ممكنا في حدود بنية الثّقافة الإغريقية وفي حدود الأسلوب الذّي دشنه أفلاطون بالذّات"[1].
     يستأنس أنصار  علمنة الجمال بمقولة الفيلسوف الألماني فريديرك هيجل Georg Wilhelm Friedrich Hegel (1770- 1831)حين اعتبر الجمال علما من حيث هو رائج ؛ وهو  في الوقت نفسه فلسفة الفن النبيل، ويستدرك هيجل صعوبة المسألة حين يوازن بين جوهر الجمال وبين سلطة اللغة الرائجة في عصره؛ فيقول: " سوف نأخذ إذن بمصطلح الإستطيقا- ليس لأن الاسم لا أهمية له تذكر عندنا، وإنما لأن هذا المصطلح فاز بحقوق المواطنية في اللغة الرائجة، وهذه بذاتها حجة لا يستهان بها في تأييد الإبقاء عليه."[2]
غير أن المتأمل للرؤية الهيجلية في أغلب كتبه يدرك بأنه دوما ينتصر  لفكرة أن الجمال مُجرّد فن نبيل وأبعد ما يكون عن العلم المُسيّج بقوانين.
   قد تصبح في رأي كل الفنون والصّناعات ذات يوم علوما قائمة بذاتها إلا الجمال، لأن الإنسان في المستقبل لن يبقى له إلا الجمال وبعض جيوب الفن ليمارس فيهما بعض الحرية، ويختبر بهما وجود كينونته بعد أن طغت التقنية والعقل الأداتيّ على كل مضامين الحياة، وأصبحت فضاءات الحرية تتقلص بشكل مطّرد، وأصبح الإنسان سجينًا في الفضاء العام والخاص على السواء.




* - أول من اصطلح مفهوم "علم الجمال" هو المفكر الألماني ألكسندر غوتليب بومجارتن Alexander Gottlieb Baumgarten (1714 – 1762)، وقد حدد رؤيته في الثلاثية المشهورة:
- الجمال = المعرفة الحسية.
- الحق = المعرفة العقلية.
- الخير = القدرة الإرادية.
[1] - حمادي حميد وآخرون، سؤال المعنى، دار الغرب للنشر والتوزيع، وهران (الجزائر)، ط 1، 2005، ص: 10.
[2] - هيجل، فردريك، المدخل إلى علم الجمال، تر: جورج طرابشي، دار الطليعة، بيروت، ط3، 1988، ص:21.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق