الخميس، 11 سبتمبر 2014

الغرب بين فعل المغامرة وفعل التنوير


  ينطلق أغلب المفكرين العرب من النهضة الغربية كمعلم للتغيير، فهم ينخرطون في مقولة التنوير كأساس للتغيير والنهضة، وتغدو العقلانية التنويرية بمثابة الطريقة المثلي لتحقيق حلم النهضة. وكأن العالم العربي لا يمكن أن يجد طريقا للحرية والنهضة إلا من خلال المرور بالعقلانية التنويرية التي شهدتها أوروبا. ويصبح هذا الربط من أهم العوائق التي تعيق حركة التقدم العربي، فالتنوير لم يكن في الغرب إلا جزءا من المشروع الحضاري، فقبل التنوير كانت الخرافة وأساطير الرجل الأبيض هي التي دفعته إلى الاكتشافات الجغرافية التي مهدت للثورة الصناعية والتجارية.
 إن الاكتشافات الجغرافية كحركة توسعية كانت سابقة عن التنوير الذي مارسه الفلاسفة الغربيون أمثال ديكارت وروسو وكانط .. ولم تكن لدى الغرب في مرحلة الفتوحات الجغرافية سوى مقولات البحث عن ماء الخلود (أسطورة فانيس) أو البحث عن مملكة سليمان وكنوزه .. لقد كان المغامر الأوربي يجد في الخرافة المُغذية لفكره الباعث المعلل لتجربة الاكتشاف الجغرافي.
لم يكن فاسكودي قاما أو ماركو بولو، أو كريسوف كلومبوس أو إمريكو فوستبوتشي أو ماجلان .. مدفوعين بأفكار فلسفية تنويرية بل بأفكار روحية خرافية .. ومنه لا يمكن أن نضع انطلاقة أوروبا مرتبط بلحظة التنوير فقط .. فلما لا نرتبط نحن العرب والمسلمين بالتجربة اليابانية ؟؟ولما نجعل دوما العقلانية الغربية هي المعلم ؟؟
إن اليابان لم تتقدم إلا بالاعتماد على خصوصياتها الثقافية، ولم تنتظر ميلاد فكر تنويري يُنظر للنهضة من فيض الغرب، بل جعلت من الهزيمة معلم التغيير ومن العقيدة الميجية القوة المحركة .. فكان أن تقدمت بعد صحوتنا نحن في غضون عشرية واحدة .. رغم أن اليابان لو قرنت بالعالم العربي فهي لا تمتلك من خيراته الخمس.
 إن المراهنة على العقلانية وهم لا زال المفكر العربي يردده دون ملل، ومن باب التقية التي يؤمن بها حنفي يجدر فهم أنه من العقلانية عدم الإعلان عن العقلانية أصلا، لأن العالم في صدام حضاري والعقلانية عندما تُعلن وتُقنن تصبح هدامة، لأن الآخر سيعلم كيف تفكر وفيما تفكر وبما تفكر عندئذ تصبح دوما أنت المعلوم وهو المجهول.
ولو ذهبنا مع حنفي في ضرورة البحث عن عقلانية جامعة، فهذا شيء متعذر أصلا، فالعقلانية ضمن فضاء إسلامي وعربي مفكك من قبل الطائفية والإثنية والملكية والاستبدادية و... لا يمكن أن تنبلج منه إلا عقلانية رخوة تتحرك نحو التاريخ حركة حلزونية.
 كما أن الاعتماد على العقلانية التاريخية العربية وهم في ذاته، فالمعتزلة وابن رشد .. لم يعتمدوا على مفاهيم نسقية بل كان وضعهم التاريخي يفرض الانخراط في عملية إنتاج المفاهيم، لكون العقلانية الممارسة تزامنت مع مرحلة قوة الدولة، ففي العهد الراشدي أو الأموي لم يكن الحديث عن عقلانية معينة، لأن المرحلة كانت مرحلة تأسيس دولة إسلامية، ولذلك فمرحلة التأسيس تطلبت بالضرورة لحظة إيمانية لا لحظة عقلانية. وأوروبا نفسها وهي تؤسس لنهضتها الأوروبية كانت تستخدم اللحظة الإيمانية لدفع المغامرين الأوروبيين لغزو العالم تحت شعار الاكتشافات الجغرافية، واللحظة الإيمانية في العالم الإسلامي هي التي دفعت جحافل المسلمين لفتح العالم تحت شعار الدعوة لله.
وقد وجه السيد ولد أباه نقدا لحنفي في مجال وهم التنوير قائلا : "إننا نريد باختصار، نشير إلى أن حسن حنفي – وإن كان لا محالة –من أبرز مفكري الجيل الحالي، ومن أوسعهم اطلاعا وامتلاكا لأدق تفصيلات المعارف التراثية والفلسفة الحديثة، إلا أنه ظل سجين الأطروحات التنويرية الأكثر عرضة للجدل والنقد في الفكر المعاصر."
  قد يجد السؤال التالي مشروعية تاريخية، هل نحن الآن نحتاج إلى اللحظة الإيمانية أم إلى اللحظة العقلانية ؟؟ إننا بكل تأكيد نحتاج إلى اللحظة الإيمانية التي تقود الإنسان العربي إلى ساحة الوجود الحضاري، وبعد أن نتأسس كذوات تاريخية يأتي دور اللحظة العقلانية.
  يتحدث الغرب اليوم عن ما بعد العقلانية، ويعترف أن العقلانية التنويرية وإن استطاعت أن تُقدم أوروبا علميا فهي أخرتها روحيا، فالعودة إلى التدين إعلان عن حاجتهم للحظة الإيمانيةـ أو لحظة عرفانية إشراقية تزيح سيطرة الألة والمجتمع ذو البعد الواحد.




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق