عند تحليل نص المقابلة التي أجرتها الصحفية الروسي داريا أصلا
موفا من جريدة كومسومولسكايا برافدا مع بشار الأسد يوم الخميس 13 أكتوبر 2016،
نكتشف عدة تناقضات في بنية خطاب الأسد وأنصاره:
1-عمل نظام الأسد عبر وسائل إعلامه
ومواليه إلى اعتبار سبب الحرب على سورية يعود إلى مؤامرة دولية خطط لها الغرب
وأمريكا بالخصوص، واخرجوا سيناريو خط أنبوب قطر السعودية الأردن فسوريا مرورا بتركيا
ليصل إلى أوروبا. وقد كثر الجدل حول هذه النقطة بالذات، وألف في ذلك أحد
الأمريكيين المغمورين جاك تيني كتابا حول المسألة. واعتبر أنصار بشار أن موقف بشار
الرافض لأنبوب هو الذي جعله يدفع الثمن.
جاء تصريح بشار الأسد معاكسا لذلك تماما، بل زادنا معلومة إضافية وهي أن
سوريا وافقت على إنشاء خطين للغاز، الخط الأول يمر من إيران عبر العراق وسوريا،
والخط الثاني من دول الخليج عبر العراق وسوريا وتركيا. وأكد أن أنبوبي الغاز كانا
ليصبا في مصلحة سوريا، حيث أكد أن سوريا كانت تأمل مرور الأنبوبين لتعزيز مكانتها
الطاقوية.
ونفي أن يكونا هما سبب المباشر لما حصل في
سوريا قال بشار: " لا، لم يتحدثوا
عن ذلك لكن كان من المفترض أن يمر أنبوب من الشرق، من إيران فالعراق فسورية إلى
البحر المتوسط وأنبوب آخر من الخليج إلى أوروبا بحيث تصبح سورية بذلك هي المركز في
مجال الطاقة بشكل عام، ولا أعتقد أن الغرب كان سيقبل سورية هذه، سورية التي رفضت
أن تكون دمية في يد الغرب لا يسمح لها أن تحظى بهذا الامتياز أو النفوذ."
أنصار الأسد جعلوا من أنبوب قطر حديث الساعة ونسجوا من خلاله
أساطين وأساطير، والغريب أنهم تحدثوا فقط عن أنبوب قطر فقط، وتجنبوا الحديث عن
أنبوب إيران العراق.
في المقابل يصرح بشار الأسد أن أنبوب الغاز
الذي كان يمر من إيران عبر العراق وسوريا والأخر عبر قطر والعراق كانا معا في صالح
إقتصاد سوريا.
ونفى بشار أن يكون قد رفض العرضين، بل صرح أن
العرضين كان بإمكانهما جعل سوريا منطقة مهمة في مجال الطاقة، فمرور الأنبوبين على
الأراضي السورية يدر عليها مداخيل إضافية ويمدها بامتيازات كثيرة.
بل فند الطرح من خلال اعتقاده بأن الغرب ما كان
ليطرح المسألة، وما كان ليسمح بذلك.
2- أن المقابلة
تمت بناء على بشار نفسه، وبحث عن إعلامية خارج المجال الغربي الناقد والمستفز له،
مما يبين أن الإعلام الغربي يزعج بشار الأسد ويستفزه استفزازا.
والغريب في الأمر أن فريقه طلب من الصحفية كما
بينت بعد ذلك في تقرير صحفي لها، أنهم أمروها بأن: "تظهر أنوثتها
وترتدي أجمل فساتينها."
3- طرحت الصحفية مسألة في غاية الأهمية، وهي اندهاشها
من وجود الشباب في الملاهي والمقاهي وشوارع دمشق، وقارنت وضع سوريا مع واقعها في
زمن مضى... وتلك رسالة مبطنة إلى الأسد كيف يحارب قومي معك بينما شعبك يرتاد
المقاهي والملاهي، وهذا يدل أن النظام لم يستطع تعبئة الرأي العام، وأن شعبيته في
تدهور مستمر، ولنتأمل نص سؤالها: " جيشكم فقد الكثير من الدماء، هذا واضح،
لكن من جهة أخرى عندما أكون في دمشق وأرى عدداً كبيراً من الشباب في المقاهي
يشربون القهوة منذ الصباح أتساءل “من هم هؤلاء الشباب ولماذا ليسوا موجودين في
الجبهة”، يقولون لي إنهم طلاب، بعد هذا أرى مراكز اللياقة الجسدية مليئة بالشباب
مفتولي العضلات، ماذا يفعل هؤلاء هنا؟ أرسلوهم جميعاً إلى الجبهة، أنا لا أفهم
لماذا لم تقوموا بتعبئة عامة للجيش كما فعلنا نحن في الحرب الوطنية؟ بشكل عام
عندما كان لدينا حرب كبيرة أرسلنا جميع الرجال إلى الجبهة. ؟؟"
4-وقع بشار
في تناقض من خلال إجابتين متناقضتين، ونقصد إجابته عن السؤال الرابع حيث يتهم
تركيا بصناعة داعش حيث صرح بشار: " الطبع تماماً، هم صنعوا داعش وهم دعموا داعش وهم يقدمون لهم كل
الدعم اللوجستي ويسمحون لهم ببيع نفطنا من خلال حدودهم وعبر أراضيهم بمشاركة إبن
أردوغان وحاشيته، جميعهم كانوا ضالعين في العلاقة مع داعش، العالم كله يعرف هذا،
لكن، بهذا الغزو أرادوا أن يغلفوا داعش بغلاف جديد كي يتمكنوا من التحدث عن قوات
معتدلة جديدة والتي هي في الحقيقة لها نفس أسس داعش، ينقلون السيطرة على منطقة ما
من داعش إلى هذه القوات ويقولون إن داعش هزم في تلك المنطقة بفضل القصف التركي
وبفضل القوات التركية وعملائها، إنها مجرد مسرحية يجري تمثيلها ليراها العالم
بأسره، والسبب الثاني هو أنهم أرادوا تقديم الدعم للنصرة في سورية."
بينما في السؤال 19 يقول بشار: " جزء من
هذا له علاقة بما حدث في العراق بعد الغزو عام 2003 حيث بات الجيش الأمريكي أو
الأمريكيون بشكل عام يسيطرون على كل شيء في العراق، بما في ذلك السجون وكان زعيم داعش
ومعظم حاشيته في السجن نفسه، إذاً تأسس تنظيم “داعش” في العراق تحت الإشراف
الأمريكي.
الصحفية:
ربما لم يكن “داعش” في تلك الفترة، بل القاعدة؟
الأسد:
نعم، كان اسمها الدولة الإسلامية في العراق."
وهذا يدل على أن بشار لا يرتب أفكاره جيدا،
مما يدل على خلل ومغالطات.
4-الأمر الذي
لم يوفق فيه بشار تماما، ويُبين أنه لا يعرف ما يجري في سوريا تماما هو إجابته عن
السؤال 15 سألته حين الصحفية عن المعارضة السياسية التي يعترف بها النظام، وطلبت
منه ذكر بعضها، فكان جوابه: "تماماً، إذا أردت التحدث عن المعارضة
السياسية بالطبع لدينا معارضة، لدينا شخصيات ولا تحضرني الأسماء الآن، لكن
لدينا شخصيات، يمكنك أن تبحثي عن الأسماء، لدينا تيارات أو حركات سياسية.
الصحفية: أي
تيارات؟ ما هي أسماء هذه؟
الأسد:
هناك أحزاب جديدة، وبوسعنا تزويدك بأسمائها ولدينا عدد كبير، قد لا يشغلون
جميعهم مقاعد في البرلمان على سبيل المثال لكن خلال الأزمة وحتى قبلها كان هناك
عدد كبير، يمكننا إعطاؤك قائمة بهم جميعاً، هناك أحزاب جديدة أعلنت عن نفسها
أحزاباً معارضةً."
واضح أن بشار الأسد لا
يعرف المعارضة ولا يؤمن بها أصلا، فالمنطق يفرض أن رئيس دولة ما يعرف على الأقل
أسماء بعض المعارضين واسم أحزابهم. ونظرا لقسوة السؤال عليه وعدم تمكنه منه، يقول بأن
أجهزته الأمنية ستعطي لها قائمة بالأسماء التي تريد.
5- يعترف
بشار أن الصراع في سوريا هو بين روسيا والمعسكر الغربي وأن المسألة السورية أصبحت
معقدة للغاية، وهذا يدل أنه لا يتحكم في الأمر على الإطلاق، فكيف يصرح بقوته
وإرادته في جعل سوريا دولة مستقلة، بينما هو يؤكد أن أمر سوريا بيد الروس والأمريكان.
وجملة القول، أن اللقاء المفبرك باعتراف
الصحفية نفسها بيّن أن الأسد معزول عن العالم، وأنه لا يعرف ما يجري داخل دولته
على الإطلاق، فالرئيس الذي لا يعرف اسم واحد من أسماء المعارضة التي يعترف بها يدل
على أنه يعيش في وكر أو عش، أو أنه رئيس بالنيابة لا غير.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق