الربيع الفلسفي
***
مصطلح الربيع بديع وجميل جمال أزهاره وأشجاره وصفاء شمسه، يُعبر عن
الحيوية والنشاط، كما يرمز للخير والنفع، الشباب والاعتدال، الفرح والسرور...
وأصبح في الخطاب السياسي المعاصر يشير به إلى ثورة الشعوب على الطغاة
والظالمين ....
ساد مصطلح الربيع العربي منذ ثورة تونس، حيث أثر في الحياة اليومية، وشغل
العالم بأحداثه ونتائجه ... وأصبح الغرب ينظر باحترام وتقدير للشعوب العربية التي
ظلت زمنا طويلا تُمجد طغاتها وتُعلن الولاء والطاعة، وتتسابق في تقديم الشعارات
والألقاب .... لم يكن الربيع العربي ربيعا بل كان خريفيا .... لأن الغضب يرمز إليه
الخريف، ففي الخريف تتساقط أوراق الشجر وتبدأ العواصف في مسح وجه الأرض من مخلفات
الصيف والربيع معا .... لقد كتب أكبر الروائيين روياتهم تحت عنوان " خريف
الغضب" ولم أقرأ رواية وُسمت ب " غضب الربيع"... لكن بالرغم من ذلك يجوز أن نشبه الثورات العربية
المعاصرة بالربيع لكونها أعادت الحياة والكرامة كما يُعيد الربيع الحياة إلى الأرض
بعد قسوة الشتاء.
كان العالم العربي بحاجة إلى ثورة ظلت مقتصرة في
أدبيات الناس على الثورة الفرنسية والبلشفية، الصينية والإيرانية الإمامية ...
وكان المثل السائر أن الشعب العربي لن يتحرك ضد طغاته حتى يتحرك أبو الهول من
مكانه .... ودفع اليأس من الشارع العربي كثير من المثقفين والشّباب إلى تمثل
الثّورة الإمامية التي أطاحت بشاه إيران 1979، وكتب الكثير لحظتها أن الفكر السّني
فكر غير ثوري ...
لقد وضعت الشعوب العربية بصمتها في سجل التاريخ،
بل كانت ثورتها أكبر بكثير من ثورة الخميني، لكن إن كنا صنعنا ربيعا عربيا فمتى
ندشن الربيع الفلسفي والفكري؟؟؟
إن أي ثورة لا يمكن أن تنجح دون وجود مشروع فكري
حضاري يتزامن مع التّغيير، فالربيع الثوري يحتاج إلى الربيع الفلسفي ... الثورة
تُغيير الأوضاع لكنها لا تصنع دولة ولا أمة .... والفلسفة تصنع أمة لكنها لا تُغير
وضعا قائما ... قد يكون منبع الثورة بعض الأفكار الفلسفية لكن منبع كل حضارة
ومشروع مجتمع الأفكار الفلسفية بالضرورة ... ونحن اليوم لابد أن نفكر في ربيع
فلسفي أو لنسميه الربيع الفكري حتى نُشرك معنا من يمتعض من مصطلح الفلسفة ....
ولكن المهم أن يُفكر الشباب اليوم بالدرجة الأولى أن تغيير الأنظمة البالية أمر
شرعي وحضاري، وأن إزالة الطغاة عمل بطولي وإنساني .. ولكن التفكير في مشروع دولة وأمة أهم من التغيير الذي لا يؤدي إلى نتيجة
.. كان الربيع الليبي رائعا بالرغم من قوة ورهبة
الثورة .... وبالرغم من الثمن الذي دفعه الشعب الليبي .... لكن النتيجة كانت غير
مرضية ... بل كانت مأساوية لم يجد الشعب الليبي مشروعا فكريا يُجسد
تطلعاته ... بل وجد نفسه يصارع طواحين دون كيشوت ... هل عجز العقل الليبي أن يصنع
مشروعا فكريا بعيدا عن كتابه الأخضر الذي ظل زمنا طويلا يتغنى بع رغما عنه أو طوعا
؟؟؟
الأمر ذاته يصدق على الشعب اليمني، فبعد ربيعهم
المميز بالإصرار والتحدي لم يستطع العقل اليمني أن يُقدم مشروعا فكريا يُحقق
النهضة .... لقد عاد الشعب اليمني إلى بياته الشتوي وكأن الربيع لم يُطل على اليمن
السعيد ....
لا زال الربيع السوري في رحم البرزخ، ويبدو من
خلال بنية المعارضة المفككة أن لا أفق للربيع الفكري، فالعقل الذي لم يستطع أن
يُوحد المعارضة على أرضية مشتركة أعتبره غير قادر على وضع ربيع فكري
....
إني آمل أن يكون الشعب المصري مؤهلا ليصنع ربيعا فلسفيا لما يملكه من
أرضيه معرفية ومشاريع نهضوية وأخرى حداثية صبغت الثقافة المصرية منذ عقود وعهود ...
وأمل أن يكون الشعب التونسي قادرا على أن يُجسد
ربيعا فلسفيا بالرغم أن رصيده الفكري في مجمله رصيدا علمانيا وغربيا بامتياز ....
حيث لا يتطابق الربيع التونسي وأطروحات فلاسفته المتغريبين .. أقولها بالرغم من
وجود مشروع حزب النهضة الأصالي ....
ويمكن أن أتساءل من جهة أخرى هل يمكن للشعوب العربية الي لم تصنع ربيعا
ثوريا أن تصنع ربيعا فلسفيا ؟؟؟ فيكون الفكر سابق للعمل ... ويكون التغيير مشروط
بنتائج التصور .... أم أن تلك الشعوب لا تملك القدرة على الثورة فكيف يمكن أن تقدر
على التفكير أصلا ..... تلك خواطر حول الربيع العربي.؟؟؟؟
أ.دعبد القادر بوعرفة/ جامعة وهران.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق