حوار فلسفي مع أ.د عبد القادر بوعرفة
أجراه الأستاذ نور الدين علوش ( الحوار المتمدن)
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=315301
-
مرحبا بكم على هذا الموقع
أهلا وسهلا،
وتحية خالصة وخاصة لموقع الحوار المتمدن على ما يبذله من جهد لبث الفكر التنويري،
وبعث الحركة الحداثية في أوصال الأمة العربية المتاهلكة في غياهب الجهل والانحطاط
.... التي اغتالت العقل وخرجت من التاريخ منذ زمن ......
-
س: بداية من هو الدكتور عبد القادر بوعرفة؟
-
ج : عبد القادر بوعرفة من موليد 1967 بمدية العين
الصفراء ( الجزائر)، أستاذ التعليم العالي بجامعة وهران، متحصل على شهادة
الدكتوراه دولة في الفلسفة سنة 2003، وعلى
درجة الأستاذية سنة 2008... له الكثير من
المؤلفات الفردية والجماعية نذكر بعضها :
-
الإنسان المستقبلي
في فكر مالك بن نبي – 2001.
-
أعلام الفكر والتصوف بالجزائر – 2004.
-
المدينة والسياسة -
طبع بمصر – 2006.
-
السياسة المدنية – 2006.
-
الحضارة ومكر التاريخ – 2005.
-
معجم الفرق والنحل بالجزائر- 2005.
-
التسامح الفعل والمعنى – 2009.
-
تبر الخواطر في فكر الأميسر عبد القادر - 2011.
-
العدالة والإنسان -2010.
-
الثورة والتغيير – 2012.
والبقية تأتي .......
واسمح لي أن
أعلق عن سؤال من تكون؟؟ هو سؤال مرتبط بالذات
ويُعبر عن الأنا الشخصي، فالتعريف أحيانا يكون زائفا ويخضع للغة الإيغو المتماهية في تعظيم ذاتها حتى الغرور .... وجود
الإنسان مرتبط بما يقدمه وليس بما هو عليه، لذا حدد ديكارت وجوده من خلال الكوجيتو
الشهير " أنا أفكر إذن أنا موجود." لذا عندما أقدم ذاتي لا بد أن أضع في الاعتبار
ما ذا قدمت؟؟؟ وما قيمة ما أقدمه ؟؟؟؟
أعتقد شخصيا أننا لا نمثل الجمهور ولا الكتل اللحمية المتحركة في أزقة
الماضي السحيق ... بل نحن نمثل أنفسنا فقط ... لذا لم نستطع أن نُغير أو نساعد في
التغيير الجذري مقارنة بداعية أو رجل دين لم يحظ بقسط وافر من التعليم .... فالأسماء
اللامعة في الفكر والفلسفة في العالم العربي هي لامعة في حقولها الضيقة فقط ...
الشعب لا يعرف الجابري ولا أركون ولا حنفي ... الشعب يعرف من لقب نفسه بالشاب سواء
المغني أو المفتي ....
- س: سيدي العزيز ما رأيك في المشاريع الفلسفة
العربية ( المرحوم الجابري والمرحوم اركون وحنفي وطه عبد الرحمان....)؟ المشاريع
المذكورة كلها نظر لأزمة من زاوية واحدة فقط، بيد أن الأزمة تشترك في ظل مهمات الكثير من الباحثين يعتبرون أننا بعيدون عن الإنتاج
الفلسفي الحقيقي وما ننتجه لا يمكن اعتباره فكرا فلسفيا هل أنت متفق معهم؟
-
ج : إن الكتابة الفلسفية في العالم العربي سيطر عليها الفعل التّدويني، فلم تستطع
أن تتألق في فضاء الفكر العالمي، إذ انخرط المفكر العربي في الشرح والتّفسير أو
السرد والتأريخ، فغاب إبداع المفاهيم والأسئلة ... إن عظمة الفلسفة تكمن من دون
ريب في قيمة ما تطرحه من أسئلة وفي قيمة ما تبدعه من مفاهيم راهنية ... وبالرغم من ذلك يمكن التعليق علي المشاريع التي
ذكرتها سريعا وفق ما يلي:
أ- يحاول
الجابري من خلال مشروعه النقدي الكبير أن يحاكي الأعمال الكانطية الكبرى ،
فكانط حين درس العقل ضمن الأنساق الغربية سواء القديمة أو الحديثة ، استطاع أن يؤسس لنفسه نسقا متميزا في نقد العقل ، خاصة
عندما قدم أعماله [ نقد العقل العملي ] [ ونقد العقل الخالص].
ويبدو أن الجابري أراد أن يكون كانط العرب
من حيث التأسيس لفلسفة نقد العقل الفلسفي ضمن أدوات وآليات حديثة ومعاصرة يتعانق فيه المعطى الإبستيمي مع المادي
التاريخي ، والأركيلوجي مع الكرنولوجي ، والتفكيكي مع الجينيالوجي .. ولقد قادت
الجابري دراساته إلى القول بوجود ثلاث تجليات للعقل العربي : عقل عربي سياسي ، عقل
عربي نظري ، وآخر عقل أخلاقي، ومنه فاصبح منطق الجابري يفرض أن يخضع كل عقل
للممارسة النقدية.
وبالرغم
من ذلك ، يبدو أن الأمر معكوس لكون العقل المُكوِّن في إطار الفكر الإسلامي واحد من حيث الآليات المُكونة له وإن تجلت
العمليات العقلية في البيانيّات ، والبرهانيّات ، والعرفانيّات – حسب رؤية الجابري -.فإن صحت مسلمة الجابري
كوّن العقل العربي هو المقصود بالعقل المُكوَن الذي تتغير أدواته الاستدلالية
بتغير المكان ،الزمان و الأفراد ، يصبح من الجائز منطقيا القول بعقل فارسي ، وهندي
، وأمازيغي ، لا بعقل عربي فقط ، بل تصبح الآلية المنهجية ذاتها تفرض داخل تقسيم
الواحد تقسيمات أخرى.
ب- لا يمكن أن نعتبر حسن حنفي رجل قلم وفكر فحسب ،
بل هو صاحب مشروع حضاري، ينطوي على كثير من الأفكار الجريئة ، التي تشكل في أفق
النهضة والتحرر منعرجا خطيرا بالمعنى الإيجابي ، ذلك أن الإمكان الحضاري يحتاج أول
ما يحتاج إلى ما سماه المفكر الجزائري مالك بن نبي إرادة الحضارة، ومن هنا يمكن
القول دون مواربة أن حسن حنفي امتلك إرادة الحضارة من خلال المعادلة التي وضعها :
الحضارة = عمل + نظر. ومن خلال الكوجيتو الجديد الذي رفعه : " أنا أعمل إذن
أنا موجود ."
ومن
خلال هذه المقابسات ينخرط د.حنفي في مشروع حضاري من نوع آخر يقوم أساسا على مبدأ
المصالحة مع التراث و التناغم مع الوافد، فهو لا يبني مشروعه على مقولات العقل
العربي ، ولا العقل الإسلامي ، وإنما حول أن يؤسس لنفسه نسقا جديدا يتمثل في جعل
التراث وسيلة لا غاية من أجل جعل الذات تُفكر من خلاله لا أن يُفكر لها و يحل
مشاكلها ، فلكل عصر مسوغاته الحضارية. غير
أنه وقع تحت تأثير مزدوج الهم والوهم ،
فالهم هو إعادة الربيع العربي الأنوار في حلة جديدة أما الوهم فهو اعتقاده أنه
يستطيع يمنطق اليسار الإسلامي ومقولة الاستغراب
أن يحدث نقلة وتنوعا ....
ج- طه عبد
الرحمان كمفكر متأصل في هويته الإسلامية وخصوصيته المغاربية من حقه أن يُنظر لما
يراه، لكن ليس بالضرورة أن نقع في دائرة رفض الأشكال التعبيرية التي لا تتماشى
ورؤية الفيلسوف، فنحن ندين في تكويننا الفلسفي لكل أنواع التعبير الفلسفي، كما
نعترف بفضل جميع أنواع الترجمة في تلقي القول الفلسفي سواء كان ثقيلا أو
خفيفا. لكن أن نجعل كل شيء مؤصلا ومؤثلا بالدمغة الإسلامية يجعل مشروعه يفقد
الراهينية وحتى عقوله الثلاثة لا يمكن أن
تجد لنفسها مقاما ( العقل التجريدي – التسديدي – التأيدي ) كما أن توغله في التصوف وعالم العرفان يجعله
بعيدا عن هموم عصره.
د- يمكن
القول أن ما تفضل به محمد أركون كمشروع لنقد النص والسلطة يمكن وضعه كقاعدة
للحوار، ويمكن للمتسائل أن يجعل من أركون محاورا ممتازا لأجل أن يتقدم فكريا
وفلسفيا، ومنه يمكن القول أن المفيد في الطرح الأركوني هو ذلك الفيض من الأسئلة
المتولدة من فيض ما طرحه، فليس المهم أن نتفق معه في الرأي، لكن المهم أن ننطلق من
تصوراته لفتح عوالم جديدة من الأسئلة، ولعل إعادة السؤال تنطلق من : كيف يمكن أن
نفتح حركة الاجتهاد ؟ وكيف نعيد صياغة دور المؤرخ ثم الفيلسوف والفقيه ؟؟ وكيف
نجعل النص القرآني حيا وحيويا ؟؟ وما حدود علاقة السياسي بالوحي ؟؟ وكيف نوجه
الفكر السياسي المعاصر إلى العقلانية التطبيقية الإسلامية ؟؟ وكيف يمكن أن نوجه
الصراع داخل البلدان الإسلامية إلى تدافع بناء؟؟ وكيف يمكن أن نعيد عالمية الإسلام
في عصر العولمة ؟؟ وكيف نحي طريقة الاستثمار الرمزي للنصوص ؟؟..
-
لماذا نجد حضورا كبيرا لرموز فلسفية تمثل مدرسة ما بعد
الحداثة ( فوكو ودريدا ..) في الفلسفة العربية المعاصرة؟
-
ج : لقد قلت سابقا أن الكتابة الفلسفية العربية هي
كتابة تدوينية فحسب، تخضع للموضة والتقليد .... جل من كتبوا عن جاك دريدا وهبرماس
وميشال فوكو ورولس وغادمير وغيرهم ... كان همهم ليس التنوير ونشر الوعي وإنما
محاكاة وتقليد الغرب .... مما يجعل ما كتبه ابن خلدون منطبقا علينا تماما (
المغلوب مولع بتقليد الغالب في زيه ولسانه ....)
وقد سميت هذا التوجه في أحد المداخلات بالترف الفكري،
الفلسفة ليست شرحا ولا تدوينا ولا نقلا ... بل الفلسفة هي ممارسة المعيش والبحث عن
مكامن الأزمة لأجل تفكيكها ونقدها ثم
إعادة بنائها وفق خصوصيات كل مجتمع .... الغرب أوفياء لواقعهم أما نحن فمنفصلون عنه .... هل يجوز إبستيميا أن
نكتب عن ما بعد الحداثة ونحن ( العرب) لا زلنا خارج الحداثة أصلا؟؟ عندما يكتب الغرب عن ما بعد الحداثة فهو بالفعل
مر بمرحلة الأنوار ثم بمرحلة الثورة الصناعية والاجتماعية ثم بمرحلة
الحداثة والأن يؤسس لمرحلة ما بعد الحداثة ... وكل ذلك تم في خضم
أربعة قرون ... فكيف نكتب نحن عن ما بعد الحداثة ونحن
نعيش ثقافيا في القرن الرابع الهجري ونعيش اقتصاديا في القرن السادس عشر ونعيش
سياسا في القرن الثامن عشر ....؟؟؟
-
س: بدأت الإنتاجات
الفلسفية في الجزائر تزدهر، لماذا تأخرت الكتابات الفلسفية بالجزائر مقارنة
بالمغرب وتونس؟
-
ج : يثير مصطلح
(الكتابة الفلسفية) جملة من التساؤلات الكبرى، فأهل الاختصاص يعترضون على تلك
التسمية الاصطناعية التي فرضها قانون سوق المعرفة ( العرض والطلب)، إذ ليس هناك
كتابة فلسفية بالمعنى الرسمي والاحترافي، فالفلسفة لا يمكن أن تكون حرفة أو صناعة
وإلا فقدت جوهرها الحقيقي ... فليس الفيلسوف الموصوف أو المعروف بل الفيلسوف هو
الذي يستطيع الظهور والاختلاف ... عندئذ يمكن للطبيب والشاعر أن يكون فيلسوفا أكثر
من مدرس الفلسفة والمتخصص فيها .. إن المسمى بكاتب فلسفي هو في الحقيقة ضد فعل
التّفلسف ذاته فهل يجب التّمييز من أجل اكتساب هُوية؟؟؟
يمكن أن يصح
الحال مع كاتب سياسي أو اقتصادي واجتماعي، لأن تَميُّزه عن غيره ضرورة إبستمية
وعلمية، لكون الموضوع يفرض ذلك ... لكن لا يصح الحكم على مقام التفلسف.. ولكن
بالرغم من ذلك لنفترض وجود كاتب فلسفي، فما هي ميزاته وصفاته ؟؟؟
إن التصديق
بوجود صفة كاتب فلسفي تفرض منا تمثل العلاقة التالية: كاتب فلسفي (ضيف وقح ) +
فلسفة ( نص مشاغب) = علاقة تضايفية.
وإن صح
التّمثيل تكون مقولة نيتشه صائبة:" أغلب المفكرين لا يحسنون الكتابة لأنهم لا
يكتفون بإطلاعنا على أفكارهم وحدها بل كذلك على تفكيرهم فيها." وتصبح شخصية سقراط نشازا في تاريخ الفلسفة
لكوننا لا يمكننا تصنيفها في خانة كاتب فلسفي.
إن الكتابة
الفلسفية في العالم العربي والإسلامي واقع نسلم بوجوده وحضوره، وليس من المعقول أن
نعيد طرح السؤال: هل هناك كتابة فلسفية في العالم العربي ؟؟؟ بل السؤال الذي ينبغي أن نطرحه هل هناك كتابة
إبداعية في المجال الفلسفة ؟؟؟
إن السُّؤال
الثاني يضعنا أمام مسلمة، تتمثل في وجود كتابة فلسفية متنوعة، غير أن هذه الكتابة
الفلسفية هي كتابة تدوينية وتأريخية، وعليه فإن الإشكال: هل يمكن أن نلتمس القيمة
الإبداعية فيما نكتب ؟؟؟
لا
يمكن الحديث عن إبداع فلسفي في العالم العربي ضمن أقلية تشتغل بالفلسفة بحثا ونظرا
لا تدريسا وتلقينا، فالإبداع الفلسفي يزدهر وينمو عندما تتأسس داخل المجتمع
أنتلجنسيا تنفتح على الحِّوار المنّاظرة، ويعقُب كل إنتاج سلسلة من النّقد
والردود، لأن حياة الفلسفة تكمن في الرد والنقد.
ولنفترض وجود
كتابة فلسفية في العالم العربي .. فلما تخلفت في الجزائر؟؟؟ تخلفت لظروف موضوعية
أهمها عدم وجود مسوغات الكتابة الفلسفية في الجزائر لعدم وجود ما يلي:
1- الدرس الفلسفي تجربة السؤال والحرقة والمعاناة.
2-القول الفلسفي تجربة المكابدة والتخمين.
3-الخطاب الفلسفي تجربة الممارسة والتنظير.
4-المدرسة تجربة الانتماء
والتقعيد.
5-المذهب تجربة الهوية
والتصدير.
ويمكن القول أن
الجزائر بدأت تشهد مؤخرا حضورا متميزا في الكتابة الفلسفية لأن الجيل المعاصر
انخرط بالفعل في مرحلتي الدرس والقول ... ويمكن أن يلج في غضون عشريتين عالم الخطاب
الذي وصل إليه إخواننا في المغرب وتونس منذ عشريتين.
- س: هناك الكثير من مراكز الدراسات والأبحاث في
العلوم الاجتماعية، في المقابل لا نجد مراكز مختصة في الفلسفة. إلى ما ذا
تعزو في نظرك هذا الغياب؟
-
ج : غياب المراكز الفلسفية يعود لغياب
العمل الجماعي أو العمل وفق منطق الخلية،
المشتغلون بالفلسفة خاصة في المغرب الكبير يتجهون نحو العمل الفردي .... ومن جهة
أخرى ان السلطة لا تشجع الفلسفة....
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق