أصدرت وزارة الشؤون الدينية كتابا جماعيا عن مالك بن نبي، شاركت بمساهمة موسومة ب: مالك بن نبي : الراهن والمستقبل / دراسة نقدية لرسم معالم البنابية الجديدة
أ.د عبد القادر بوعرفة*
" الأموات لا يفكرون للأحياء، بل الأحياء يفكرون من
خلال تركة الأموات"
***
لم تعد القراءة
التقليدية لفكر مالك بن نبي مفيدة وناجعة سواء لدارسها أو موضوع الدّراسة، فإعادة
بسط وعرض ما كتبه مالك بن نبي هو من قبل تحصيل الحاصل، وشرح الشّرح، وتلخيص التّلخيص
... وهي عادة ألفها ومارسها كُتاب الأمة الإسلامية منذ عصر الانحطاط.
إن
الكَاتبَ لا يحي ولا يُخَلدُ إلا من خلال القراءة النّقدية التّجاوزية، فكلما كثر
النّقد لنصه كثرت مجالات تواجده وحياته المعنوية، وربما يُكتب له الخلود مع كبار
الفلاسفة والعلماء كما هو الشأن لأفلاطون وأرسطو وابن رشد وابن خلدون .... إن نصوص كبار الفلاسفة والمفكرين لم يُكتب لها
النجاح إلا من خلال تعرضها للنّقد والنّقض معا ... إن المفكر ذاته يكره التّقديس
والتبجيل ويرنو نحو النّقد الصّريح ذو البعد الأخلاقي والجمالي معا ......
كان مالك بن نبي قد
طرح سؤالا جوهريا حول علاقتنا بالغرب مقارنة
مع الشعب الياباني، فتوصل بعد تحليل دقيق إلى أننا لازلنا نمثل دور الزبون تجاه
الغرب بينما اليابان يمثل دور التلميذ، ولذلك تقدم اليابان وتأخر المسلمون.
ونحن بدورنا سنطرح سؤال العلاقة ولكن حول
علاقتنا بفكر مالك بن نبي، فهل وقفنا منه موقف التّلميذ أم موقف الزّبون؟؟؟
نستطيع أن نجزم بعد نصف قرن تقريبا من
رحيل مالك بن نبي ( 1973) أننا لا زلنا نتعامل مع فكره تعامل الزبون، لازلنا نردد "قال ويقول" وننعته بأعظم الألقاب ...
ونحن بذلك نقوم بوأده في كل ملتقى ننظمه أو دراسة ننجزها عنه.
كان مالك بن نبي ينفر من تحول الشّخص أو
الفكرة إلى وثن، ونحن نلاحظ اليوم أن بن نبي نتعامل معه كما تعامل الشعب الجزائري
مع المرابطين والأولياء:" هذه الجدلية تحدد طبيعة علاقة الفكرة
–الشخص، التي تنقلب عند التّطرف إلى علاقة فكرة-وثن، وبفضل تلك العلاقات المنجرفة
نحو التّطرف فإن الشعب الجزائري أقام قبب مرابطيه وأوليائه، وحافظ على عكوفه عليهم
عبر قرون ما بعد الموحدين. "[1]
إذا أردنا لمالك بن نبي الاستمرارية التّاريخية
وحياة العظماء، فلا بد أن نُخرج أعماله من الدّراسة التقريظية والتّقديسية إلى الدّراسة
النقدية والتّجاوزية، التي أساسها التفكير في شروط ترهين فكره بعيون الحاضر
والمستقبل ..... وتحتاج تلك الدّراسة جملة من القواعد الإبستيمية التي حاولنا أن
نضعها في النّقاط الرئيسة التالية:
1- تطبيق منهج
القراءة بالخُلف على فكر بن نبي، ونُلخصها في المبدأ التالي: التفكير مع نبي ضد بن
نبي، مثلما طُبقت في الغرب من خلال بعض الأعمال الرائعة، مثل قراءة ألتوسير الشّهيرة
لفكر ماركس من خلال فكرته "ماركس ضد ماركس"، أو كما فعل كارل
أوتو آبل "التّفكير مع هابرماس ضد هابرماس" الخ ...
تتناسب تلك القراءة مع ذهنية ومنهج مالك بن نبي، فلقد استعمل الخيال العلمي
ليقرب مشكلات الحضارة إلى العقول، فابتكر فرضية الزائر السَّماوي ( الأصم والأبكم)
الذي تجوّل عبر محورين في الأرض ( واشنطن – موسكو ثم طنجة -جاكرطا)* فاكتشفا نوعين
من العالم والإنسان.
ونحن بدورنا نفترض أن مالك بن نبي عاد من رمسه ليقرأ
أفكاره في عصرنا، وكان حاله كحال الزائر السّماوي، فهل سيكون تفكيره مثل الذي كان
أم سيكون على خلاف ما كان؟
2- الاعتقاد
بأن فكر بن نبي كان نتاج لحظة تاريخية لا يمكن أن تتكرر، وواقع تغيرت ظروفه وشروطه
الحضارية. ونقر في الوقت ذاته أن مالك بن نبي فهم عصره لكنه عجز عن تغييره.
3- منهج
الاستضافة يفرض التّجاوز لا إعادة ما أنتج، ثم التفكير من خلاله بحيث يصبح
المُستحضِر هو المُبدع والمفكر والمبرهن والمحلل، بينما المُستَحضَر هو المُؤيد
والشَّاهد فقط. وتتيح تلك القاعدة كسر النزعة التقديسية التي حاربها مالك بن نبي
واعتبرها استمرارا لفكرة الوثن.
4- تأسيس معالم
مدرسة بنايبة جديدة يفرض التنظير من خلال فكرة ما بعد بن نبي.
5- ترجيح
منهج نقد النّقد والانتقال من نقد العقل إلى نقد الفعل.
6- وضع حافز
العالمية الإسلامية الثّانية من أجل التّقدم نحو الإسلام لا العودة إليه.
7- يكون ترهين أفكار مالك بن نبي من خلال دراستها أولا ثم
تقسيمها وفق الآلية التالية:
-أفكار صالحة
لكل زمان وعصر.
- أفكار صالحة
لكن تحتاج إلى تطوير وتجديد وفق مقاصد العصر ومطالب الغد.
- أفكار غير
صالحة لارتباطها بعصرها فقط.
ثم تقسيم حياة مالك بن نبي إلى ثلاثة أدوار:
-
مرحلة الشّاب: الحالم المثالي.
-
مرحلة الكّهل: الإيديولوجي المناضل.
-
مرحلة الشّيخ: الحكيم الواقعي.
ومن خلال تقسيم حياة وفكر مالك بن نبي وفق
التّصنيف السّابق، يمكن أن نحصر منطقة التَّرهين والتَّفعيل، وأخص الصنف الثاني
بالخصوص ( أفكار صالحة لكن تحتاج إلى تطوير وتجديد)، فالأفكار الصالحة لكل عصر هي
الأفكار العامة التي تشترك فيها الإنسانية قاطبة، ويتفق الفلاسفة والعلماء على ضرورة وجودها. وهي لا تُعتبر
من إنتاج مالك بن نبي بل هي نتاج البشرية جمعاء، ولقد وظفها بن نبي باعتبارها من
البدائه والقواعد العامة. أما الأفكار غير صالحة فهي التي أنتجها بناء على معطيات
ظرفية وإيديولوجية خاصة.
* -أستاذ
التعليم العالي بجامعة وهران، ومدير مختبر الأبعاد القيمية للتحولات بالجزائر، من
مؤلفاته : الإنسان المستقبلي في فكر مالك بن نبي، أعلام الفكر والتصوف بالجزائر،
معجم الطرق والنحل بالجزائر، مقدمات في السياسة المدنية، المدينة والسياسة،
الحضارة ومكر التاريخ/ تأملات في فكر مالك بن نبي ........
[1] - بن نبي ، مالك، مشكلة الأفكار في العالم الإسلامي ، ترجمة. د.بسام بركة و
أحمد شعبو ، دار الفكر ، الجزائر ، ط1، 1991، ص 96.
*- بوعرفة، عبد القادر، الحضارة
ومكر التاريخ/ تأملات في فكر مالك بن نبي، رياض العلوم للنشر والتوزيع،ط1، 2006،ص
35. (فرضية الزائر السماوي والوعي الماكر لإشكالية التدافع (
:
" إن أوّل خطوة يفترضها
مالك بن نبي نزول الزائر الفضائي على المحور التالي: واشنطن –
موسكو(سابقا) وقد نُغير المحور ليتلاءم مع واقعنا المعاصر في
أحضان الألفية الثالثة ونفترضه على السبيل المثال: واشنطن _ طوكيو. ثم ينعطف إلى
المحور الممتد
على خط (طنجة - جاكرتا)، فمن البديهي أنّ الزائر السّماوي، يكتشف عالما ثانيا، يختلف
اختلافا جذريا عن الأوّل، لا من حيث العمران ومظاهر الحياة فحسب، بل حتى في البنية
الحضارية للكائن الحي. الفرضية وضعها في
مؤلفين (الفكرة الأفرو-أسيوية) و (تأملات) راجع الكتاب الأول خاصة ، ص (79-82).
أفكار تدعو الى قراءة "مالك بن نبي" قراءة جديدة..و هو ما نحتاج اليه..من أجل فهم سليم و أعمق ل"فلسفة الرجل".
ردحذفنظرة ناقدة جديدة حقا تستحق التقدير والتامل انها لافكار جريئة تنم على حس نقدي متفتح على الواقع بكل حيثياته وتناقضاته لكم كل الشكر والتقدير استاذ
ردحذفكيف يمكنني التحصل على هذا الكتا أو اعمال المؤتمر من فضلكم
ردحذف