د. على بوظو
على عكس ما يتوقّعه كثيرون , هناك في الولايات المتّحدة الأمريكيّة لوبي قوي موالي لنظام آيات الله في إيران، و هو من أقوى منظّمات الضغط في واشنطن في الوقت الحالي و قد إزداد نفوذ و نشاط هذا اللوبي في السنوات الأخيرة نتيجة التقارب بين الإدارة الأمريكيّة الحاليّة و طهران . و لهذا اللوبي مجموعة واسعة من المنظّمات من أهمّها "الرابطة الوطنيّة للأمريكيّين الإيرانيين" و أغلب أعضائها البارزين من الأثرياء من أصول إيرانيّة و الّذين يمتلكون علاقات واسعة مع المسؤولين الإيرانيين الحاليّين و على رأسهم هاشمي رفسنجاني و حسن روحاني و هم من أركان نظام ولاية الفقيه , يتولّى رئاسة هذه الرابطة تريتا بارسي الحائز على شهادة الدكتوراة من جامعة جون هوبكنز كما أنّ صداقة تجمع هذا الأخير مع جواد ظريف وزير الخارجيّة الإيراني . أقامت هذه الرابطة كثيرا من النشاطات و الندوات في السنوات الأخيرة في الولايات المتّحدة للترويج للإتّفاق النووي و لشرح طبيعة العلاقة الإيرانيّة الإسرائيليّة للرأي العام , و في إحدى هذه المحاضرات يقول تريتا بارسي حرفيّا : "إيران هي الصديقة الحميمة لإسرائيل و نحن نرغب في الحفاظ على تلك العلاقة مع طهران" ثم يلتفت للحضور و يشرح لهم : من قال هذا الكلام هو رئيس وزراء إسرائيل إسحاق رابين و لم يقله بزمن الشاه بل عام 1987 عندما كان آية الله الخميني حيّا و كان يستعمل أسوأ الخطابات تجاه إسرائيل , و لكنّ ما قاله رابين أن إيران صديق إستراتيجيّ و إنّ ما يسمّيها الإعتبارات الجيوسياسيّة هي الأساس في العلاقات بين الدول مهما كان الخطاب الإعلامي مختلف.
ولتأكيد العلاقة القويّة بين الشعبين الإسرائيلي والإيراني يعود بارسي للتاريخ القديم ليوضّح التحالف التاريخي بين الشعبين عندما أنقذ الفرس بقيادة ملكهم قورش اليهود من إستعباد البابليّين لهم، ثم يشرح للحضور عن أنّ أكبر جالية يهوديّة في الشرق الأوسط بعد إسرائيل موجودة في إيران اليوم في عهد الجمهورية الإسلامية , ثمّ يتابع كلامه عن التعاون الإستخباراتي و الأمني المتواصل بينهما نتيجة إدراك البلدين للتهديدات المشتركة الّتي يتعرّضون لها و خاصّة من الدول العربيّة القويّة، و يتابع تاريتا: لقد كانت هذه العلاقات دائما سرّية لذلك أنشأ الشاه بوّابة خاصّة بمطار طهران للطيران القادم من إسرائيل بعيدة عن باقي البوّابات حتّى لا يرى باقي المسافرين أو يعرفوا الأعداد الكبيرة من الإسرائيليين القادمين و المسافرين لإيران ، و يتابع إنّ هذا الموضوع لم يتبدّل بعد الثورة الإسلاميّة لأنّ التهديدات المشتركة للبلدين لم تتغيّر.
إنّ حقيقة ما يقصده بارسي و الّذي عبّر عنه بطريقة مواربة هو أنّ للجمهوريّة الإسلاميّة في إيران و لدولة إسرائيل نفس العدو، ألا و هو المحيط السنّي، و أنّ أسباب المشروع النووي الإيراني لا تختلف من ناحية الجوهر عن المشروع النووي الإسرائيلي لأنّه وسيلة لتعويض النقص الكبير في القوّة البشريّة مقارنة بهذا المحيط الهائل , كما أنّ هناك نقطة أخرى لا تقلّ أهمّية و هي أنّ الدولتين تقومان على أساس ديني و وجود أحداهما يعطي مبرّرا لوجود الأخرى خاصةً مع معزوفات الغضب و الكراهيّة والّتي تؤدّي لتماسك أكثر في مجتمعاتهما، و كذلك في محاولة لبثّ الروح في مشروع لم يعد مألوفا اليوم، و هو قيام دولة على أساس ديني .
ما قاله بارسي في محاضرته عن التحالف الموضوعي بين البلدين نجد له تأكيدات كثيرة خلال العقود الماضية، و من أوضح الأمثلة على ذلك ما عرف بإسم إيران كونترا و هي الفضيحة الكبرى في نهاية الثمانينات حين تمّ إكتشاف قيام الولايات المتّحدة- و الّتي كان الإعلام الإيراني يصفها، منذ ذلك الحين، بالشيطان الأكبر- بتوريد أسلحة و صواريخ و ذخيرة إلى إيران أي "محور الشر" حسب الإعلام الأميركي، و تمّت هذه الصفقات عبر وسيط ثالث حتّى لا يتم إكتشاف العمليّة، و لم يكن هذا الوسيط سوى "الشيطان الأصغر" شخصيّا أي إسرائيل !! و أكثر من ذلك كانت إسرائيل قد أرسلت من مستودعاتها الخاصّة ما إحتاجته إيران خشية تأخّر وصول الأسلحة من الولايات المتحدة و تعرّض الحرس الثوري الإيراني للخطر من طرف العراق !!
هذه الصفقات حصلت بعد عامين فقط من عمليّة إحتجاز الرهائن في السفارة الأمريكيّة في طهران , كما أنّها ليست عمليّة منفردة بل سلسلة طويلة من عمليّات توريد الأسلحة و الذخيرة لإيران إستمرّت لعدّة سنوات في منتصف الثمانينات من القرن العشرين . و أثناء عمليّات تصدير السلاح بشكل سرّي في منتصف الثمانينات كانت إيران قد أنشأت حزب الله في لبنان، و الّذي قام وقتها بكثير من عمليّات إختطاف الرهائن الغربيين و بينهم أمريكيّين ليتمّ إطلاق سراحهم لاحقا مقابل فدية ماليّة أو حتّى قتلهم , كما كان الإعلام الإيراني في أوج حملاته على أميركا و إسرائيل بينما كانت طائرات هذه الدول تشحن الأسلحة لإيران سراً !!.
و عندما ننظر بعد سنوات من إيران كونترا إلى غزو الولايات المتحدة للعراق و أفغانستان، و بالتنسيق مع إيران، ينتابنا المزيد من الشكوك حول حقيقة الموقف الأميركي في المنطقة .
خلال هذه الأحداث إستفادت إيران إستراتيجياً أكثر من أي طرف آخر و بمراحل، و قد قال الكثير من القادة السياسيين و العسكريين الأمريكيين أنّ الولايات المتحدة قد غزت العراق ثم سلّمته لإيران و هذا تماماً ما حدث , فالولايات المتحدة دخلت اليابان و ألمانيا و كوريا الجنوبية في الأربعينات و الخمسينات لكنّها لم تنسحب حتّى لا يدخل الجيش الأحمر الروسي أو الصيني بينما فعلت ذلك في العراق ليدخل الحرس الثوري الإيراني !!! .
و بالعودة للإتّفاق النووي و عند مناقشته في الولايات المتّحدة إنقسم اليهود الأمريكيين بين مؤيد و معارض للإتّفاق، و قد قيل إنّ بعض المعارضين له من الإسرائيليين كانت معارضتهم بسبب الخوف من حلف أميركي إيراني في المنطقة يهدّد مكانة إسرائيل و أهميّتها في الشرق الأوسط بالنسبة للمصالح الأمريكيّة , كما لو أنّ هناك تنافس بين إسرائيل و إيران على من له مكانة أهمّ عند الحليف المشترك الأميركي !!, و إنتهت المفاوضات بإتّفاق يقضي بتجميد المشروع النووي لسنوات معدودة فقط مع مكافأة إيران ب 150 مليار دولار في تسوية لم يرضى عنها أحد وسط دهشة و إستغراب و إستنكار حلفاء الولايات المتحدة التقليديّين .
أمّا فيا يخص الثورة السوريّة فهي بحدّ ذاتها تقدم أوضح مثال على العلاقة الوثيقة الّتي تربط "الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة" بالولايات المتحدة و إسرائيل، فقد غضّ الطرفان النظر عن آلاف و آلاف من الميليشيات الشيعية و الحرس الثوري الإيراني الذين قدموا عبر الجو و البحر و البر لدعم نظام الأسد، بل و إعتبروا وجودهم في سوريا أمرا طبيعيّا مثلما إعتبروا وجودهم في العراق و لبنان! و كانت صور قاسم سليماني تظهر في كل المناطق السوريّة و الذي من المفروض أنّه من المطلوبين لإرتكابه أعمالاً إرهابيّة بالنسبة لكل من الولايات المتحدة و إسرائيل و لا يمكن أن تخفى تحرّكاته في سوريا على مخابراتهم! كل هذا و الولايات المتحدة تستهدف و تقصف ما يسمّونه التطرّف الإسلامي السنّي و يغضّون النظر تماماً عن التطرّف الإسلامي الشيعي مهما إرتكب من جرائم في سوريا و العراق بل و العالم كله. لذا عندما نسمع خطابات حسن نصر الله و قادة الحرس الثوري و فيلق القدس الناريّة و الّتي تدعوا لتدمير إسرائيل بوجوه غاضبة و أوداج منتفخة , و مشاهدة الوقاائع و الأدلّة المعاكسة تماما لهذا الكلام على الأرض , من حقّنا أن نتساءل عن درجة الصفاقة و الوقاحة الّتي يملكها هؤلاء الخطباء!
ولتأكيد العلاقة القويّة بين الشعبين الإسرائيلي والإيراني يعود بارسي للتاريخ القديم ليوضّح التحالف التاريخي بين الشعبين عندما أنقذ الفرس بقيادة ملكهم قورش اليهود من إستعباد البابليّين لهم، ثم يشرح للحضور عن أنّ أكبر جالية يهوديّة في الشرق الأوسط بعد إسرائيل موجودة في إيران اليوم في عهد الجمهورية الإسلامية , ثمّ يتابع كلامه عن التعاون الإستخباراتي و الأمني المتواصل بينهما نتيجة إدراك البلدين للتهديدات المشتركة الّتي يتعرّضون لها و خاصّة من الدول العربيّة القويّة، و يتابع تاريتا: لقد كانت هذه العلاقات دائما سرّية لذلك أنشأ الشاه بوّابة خاصّة بمطار طهران للطيران القادم من إسرائيل بعيدة عن باقي البوّابات حتّى لا يرى باقي المسافرين أو يعرفوا الأعداد الكبيرة من الإسرائيليين القادمين و المسافرين لإيران ، و يتابع إنّ هذا الموضوع لم يتبدّل بعد الثورة الإسلاميّة لأنّ التهديدات المشتركة للبلدين لم تتغيّر.
إنّ حقيقة ما يقصده بارسي و الّذي عبّر عنه بطريقة مواربة هو أنّ للجمهوريّة الإسلاميّة في إيران و لدولة إسرائيل نفس العدو، ألا و هو المحيط السنّي، و أنّ أسباب المشروع النووي الإيراني لا تختلف من ناحية الجوهر عن المشروع النووي الإسرائيلي لأنّه وسيلة لتعويض النقص الكبير في القوّة البشريّة مقارنة بهذا المحيط الهائل , كما أنّ هناك نقطة أخرى لا تقلّ أهمّية و هي أنّ الدولتين تقومان على أساس ديني و وجود أحداهما يعطي مبرّرا لوجود الأخرى خاصةً مع معزوفات الغضب و الكراهيّة والّتي تؤدّي لتماسك أكثر في مجتمعاتهما، و كذلك في محاولة لبثّ الروح في مشروع لم يعد مألوفا اليوم، و هو قيام دولة على أساس ديني .
ما قاله بارسي في محاضرته عن التحالف الموضوعي بين البلدين نجد له تأكيدات كثيرة خلال العقود الماضية، و من أوضح الأمثلة على ذلك ما عرف بإسم إيران كونترا و هي الفضيحة الكبرى في نهاية الثمانينات حين تمّ إكتشاف قيام الولايات المتّحدة- و الّتي كان الإعلام الإيراني يصفها، منذ ذلك الحين، بالشيطان الأكبر- بتوريد أسلحة و صواريخ و ذخيرة إلى إيران أي "محور الشر" حسب الإعلام الأميركي، و تمّت هذه الصفقات عبر وسيط ثالث حتّى لا يتم إكتشاف العمليّة، و لم يكن هذا الوسيط سوى "الشيطان الأصغر" شخصيّا أي إسرائيل !! و أكثر من ذلك كانت إسرائيل قد أرسلت من مستودعاتها الخاصّة ما إحتاجته إيران خشية تأخّر وصول الأسلحة من الولايات المتحدة و تعرّض الحرس الثوري الإيراني للخطر من طرف العراق !!
هذه الصفقات حصلت بعد عامين فقط من عمليّة إحتجاز الرهائن في السفارة الأمريكيّة في طهران , كما أنّها ليست عمليّة منفردة بل سلسلة طويلة من عمليّات توريد الأسلحة و الذخيرة لإيران إستمرّت لعدّة سنوات في منتصف الثمانينات من القرن العشرين . و أثناء عمليّات تصدير السلاح بشكل سرّي في منتصف الثمانينات كانت إيران قد أنشأت حزب الله في لبنان، و الّذي قام وقتها بكثير من عمليّات إختطاف الرهائن الغربيين و بينهم أمريكيّين ليتمّ إطلاق سراحهم لاحقا مقابل فدية ماليّة أو حتّى قتلهم , كما كان الإعلام الإيراني في أوج حملاته على أميركا و إسرائيل بينما كانت طائرات هذه الدول تشحن الأسلحة لإيران سراً !!.
و عندما ننظر بعد سنوات من إيران كونترا إلى غزو الولايات المتحدة للعراق و أفغانستان، و بالتنسيق مع إيران، ينتابنا المزيد من الشكوك حول حقيقة الموقف الأميركي في المنطقة .
خلال هذه الأحداث إستفادت إيران إستراتيجياً أكثر من أي طرف آخر و بمراحل، و قد قال الكثير من القادة السياسيين و العسكريين الأمريكيين أنّ الولايات المتحدة قد غزت العراق ثم سلّمته لإيران و هذا تماماً ما حدث , فالولايات المتحدة دخلت اليابان و ألمانيا و كوريا الجنوبية في الأربعينات و الخمسينات لكنّها لم تنسحب حتّى لا يدخل الجيش الأحمر الروسي أو الصيني بينما فعلت ذلك في العراق ليدخل الحرس الثوري الإيراني !!! .
و بالعودة للإتّفاق النووي و عند مناقشته في الولايات المتّحدة إنقسم اليهود الأمريكيين بين مؤيد و معارض للإتّفاق، و قد قيل إنّ بعض المعارضين له من الإسرائيليين كانت معارضتهم بسبب الخوف من حلف أميركي إيراني في المنطقة يهدّد مكانة إسرائيل و أهميّتها في الشرق الأوسط بالنسبة للمصالح الأمريكيّة , كما لو أنّ هناك تنافس بين إسرائيل و إيران على من له مكانة أهمّ عند الحليف المشترك الأميركي !!, و إنتهت المفاوضات بإتّفاق يقضي بتجميد المشروع النووي لسنوات معدودة فقط مع مكافأة إيران ب 150 مليار دولار في تسوية لم يرضى عنها أحد وسط دهشة و إستغراب و إستنكار حلفاء الولايات المتحدة التقليديّين .
أمّا فيا يخص الثورة السوريّة فهي بحدّ ذاتها تقدم أوضح مثال على العلاقة الوثيقة الّتي تربط "الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة" بالولايات المتحدة و إسرائيل، فقد غضّ الطرفان النظر عن آلاف و آلاف من الميليشيات الشيعية و الحرس الثوري الإيراني الذين قدموا عبر الجو و البحر و البر لدعم نظام الأسد، بل و إعتبروا وجودهم في سوريا أمرا طبيعيّا مثلما إعتبروا وجودهم في العراق و لبنان! و كانت صور قاسم سليماني تظهر في كل المناطق السوريّة و الذي من المفروض أنّه من المطلوبين لإرتكابه أعمالاً إرهابيّة بالنسبة لكل من الولايات المتحدة و إسرائيل و لا يمكن أن تخفى تحرّكاته في سوريا على مخابراتهم! كل هذا و الولايات المتحدة تستهدف و تقصف ما يسمّونه التطرّف الإسلامي السنّي و يغضّون النظر تماماً عن التطرّف الإسلامي الشيعي مهما إرتكب من جرائم في سوريا و العراق بل و العالم كله. لذا عندما نسمع خطابات حسن نصر الله و قادة الحرس الثوري و فيلق القدس الناريّة و الّتي تدعوا لتدمير إسرائيل بوجوه غاضبة و أوداج منتفخة , و مشاهدة الوقاائع و الأدلّة المعاكسة تماما لهذا الكلام على الأرض , من حقّنا أن نتساءل عن درجة الصفاقة و الوقاحة الّتي يملكها هؤلاء الخطباء!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق