الوفاء والنكران في حكاية الجزائر مع إيران!
بقلم الاستاذ نبيل أبو جعفر
... هذا ما
حدّثني عن بعض تفاصيله سيّد أحمد غزالي رئيس وزراء الجزائر الأسبق في معرض استعراضه
لماضي وحاضر العلاقة بين البلدين التي عاشها من موقع المسؤولية، ويعكف على تدوينها
في كتاب جديد له، مؤكدا فيه أن بدايات علاقة بلده الرسمية مع نظام الملالي كانت طيبة
وعلى خير ما يُرام بعد ترحيبه بالثورة التي أسقطت نظام الشاه. نظرا لاعتقاده أنها ستكون
سنداً للعرب ولدول العالم الثالث ودول عدم الانحياز، إلا أن حقيقة هذا النظام وتوجهاته
عادت وانكشفت على حقيقتها.
وفي سرده لكيفية هذه البداية قال غزالي: كنا نثق في
كل ما يقوله الإيرانيون الجدد، وكان صوت النظام الرسمي هو الوحيد الذي نسمعه فيما يتعلق
بإيران، ولم نكن نسمع شيئا عن المعارضة الإيرانية ونشاطها بل حتى عن وجودها. وقد ذهبت
الجزائر بعيدا في ترجمتها لهذه العلاقة إلى حد تقديم العديد من الخدمات الكبيرة لإيران
بعد الثورة، كان أولها التوسط بين طهران وواشنطن في قضية الرهائن الأميركيين في طهران،
التي أدت إلى إخراج النظام الإيراني من هذه الورطة الكبيرة بعد أن وقع فيها نتيجة سعيه
وراء تحقيق أغراض سياسية خاصة، وقد تم الإفراج عن الرهائن الأميركيين في الساعات الأولى
التي تلت الإعلان عن فوز ريغان بالرئاسة. والجدير بالذكر هنا أن هذه الخدمة من طرف
الجزائر قد جاءت وفق ما قال رئيس الوزراء الجزائري الأسبق بعد اندلاع الحرب العراقية
الإيرانية التي كانت الكفّة فيها لصالح العراق ميدانياً وسياسياً ودولياً.
وفي استحضاره لمواقف الماضي التي التزمت بها الجزائر
لصالح إيران، تابع غزالي حديثه قائلا أنه بعد اندلاع الحرب الإيرانية العراقية اتخذت
بلاده "موقفاً مبدئياً على المستوى الرسمي يقضي بعدم الانحياز لصالح أي من الطرفين
في الحرب"، ووضعت ثقلها باتجاه التوسط لوقفها. واقتضى هذا القرار قيام وزير الخارجية
عضو المكتب السياسي في جبهة التحرير الوطني محمد الصدّيق بن يحيى بزيارات مكوكية أدت
إلى سقوط طائرته في شهر آيار/مايو من العام 1982 بصاروخ حربي فوق المنطقة الحدودية
بين إيران والعراق أودى بحياة كل من كانوا على متنها، بمن فيهم الوزير وأربعة عشر مسؤولا
جزائريا كبيرا.
وعلى هذه الأرضية استمرت علاقاتنا حتى نهايات ثمانينات
القرن الماضي وبداية نشاطات الجماعات الإسلامية المتشددة على أرض الجزائر، وتفجُّر
موجة العمليات الإرهابية التي حصدت أرواح عشرات الآلاف. وهنا اكتشفنا بالدلائل الثبوتية
أن النظام الإيراني ورغم كل مواقفنا الإيجابية تجاهه كان يقف إلى جانب هذه الجماعات
ضد الجزائر بكل ما لديه من قوة وعلى مختلف الأصعدة.
في تلك الأيام جاءنا في بدايات العام 1990 علي أكبر
ولايتي وكان وزيرا للخارجية على رأس وفد إيراني للبحث في علاقات التعاون بيننا، وأثناء
الحديث بيننا فاجأني بالقول: لقد سمحتم للسلفيين بالنشاط في مساجدكم فاسمحوا لنا أيضا
أن نقوم بمثل هذا النشاط فيها كي يكون هناك "توازن" بيننا!! فأجبته بالحرف:
أنت لا تعرف الجزائر ولا تعرف أنه لا يمكن لبلدنا أن يصبح ساحة صراع مذهبي. عدا عن
ذلك إنكم تنشطون فعلا في بلدنا ونحن على علم بذلك، وأن من بين وسائلكم لكسب البسطاء
من الشباب نحوكم عرض زواج المتعة عليهم. ولم يردّ عليّ ولايتي لا بالنفي ولا بالتكذيب.
وفي تلك الأيام أيضا، بدأت ـ في المقابل ـ العلاقات
شبه الرسمية بين قادة الجبهة الإسلامية للإنقاذ والملالي الحاكمين في إيران بكيفية
تنعكس سلبا على مصداقية الجزائر كبلد مستقل له قنواته الرسمية. وقام عباسي مدني زعيم
تلك الجبهة على أثر هذا التطور بزيارة إلى طهران على رأس وفد في شهر شباط/فبراير
1991، واجتمع بكل من خامنئي زعيم النظام ورفسنجاني رئيس الجمهورية وقتذاك، وهللّت الصحف
الإيرانية الرسمية لحضوره وقيامه بزيارة قبر الخميني وتأدية التحية له. كما نقلت عن
لسانه الكثير من التمجيد بـ"الدور القيّم الذي لعبه قائد ومؤسس الجمهورية الإسلامية
في بعث الحركات الإسلامية" وأبرزت قوله : "المصباح الذي نوّره الإمام الخميني
ملأ قلوبنا بالنور، والشعب الجزائري على استعداد لأن يقف معكم يدا بيد في صف واحد"!.
وختم غزالي كلامه حول هذا الجانب بالقول : وهكذا، عندما
تأكد لنا أن النظام الإيراني متورط في دعم الإرهاب والقتل داخل بلدنا، اتخذنا قرار
قطع العلاقات معه ردا على طبيعته العدوانية ونكرانه الجميل، الأمر الذي أثبت لنا عمليا
وبما لا يقبل الشك أن لا شيء يهمه غير التوسع والتدخل في شؤون البلدان الأخرى، حتى
لو كان بلداً قدّم له أفضل الخدمات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق