اتجهت
بعض المداخلات في الملتقى الوطني " فلسفة الدين" بوهران صوب فكرة أنوارية
رئيسة، وهي أن الدين هو المفرق بين الناس، ومشعل فتائل الحروب، ومنتج الأزمات والصدمات،
..... الخ .... لكن سادتي الكرام، يجزم الكل بأن أكبر حربين عالميتين مدمرتين وقاسيتين
وقعتا في القرن العشرين كانت بفعل الفلسفة لا الدين، بلغ عدد قتلى الحرب العالمية الأولى
12 مليون قتيل، بينما بلغ عدد ضحايا الحرب العلمية الثانية 50 مليون قتيل.
من أشعل فتيل هذه الحرب؟؟؟
انطلقت شرارتها من بلد الفلاسفة والحرية والشعر والموسيقى، بلد كانط وهيجل ونيتشه
وهايدجر ..... لم يكن هتلر إلا تلميذ هيجل ونيتشه وفيخته مثلما كان الإسكندر تلميذ
ارسطو حين احتل العالم القديم.....
إذ يا فلاسفة العصر والدهر .... حربكم أقسى من الحروب التي نشأت بفعل الدين،
فحرب واحدة أشعلتموها قضت على 50 مليون إنسان في سبع سنوات .... ومن ناحية أخرى لم
أر مفرقا للناس مثل السياسة ... فهي التي تفرق بين الأب وأبنه وزوجه .... فيها ثنائيات
كالدين، الكفر يقابله الخيانة، والتمرد يقابله العصيان أو الخروج، والخروج عن الجماعة
يقابله الشغب والعمالة للآخر، ........
تفرض علينا الشهادة التاريخة القول بأن بعض المداخلات في الملتقى نفسه اتجهت
صوب مضمون فلسفة الأديان، فانكبت على توضيح أن الدين مسألة تاريخية أكثر من كونها مسألة
مرتبطة بالأصل، فالدين يغدو بفعل التاريخ ظاهرة اجتماعية تشوبها الكثير من المخاطر
والمزالق مثلها مثل أي فكرة عمومية جذبت إليها الناس... كان ابن عربي رجلا متدينا وسع
قلبه كما يقول جميع الأديان والأعراق، فالحب، والحق، والجمال مطلبه ومقصده، وكان جبرائيل
مرسيل رجلا متدينا أخذ من الدين المسيحي خطاب المحبة والرجاء والنزعة الإنسانية.
هذا بالفعل ما أردت أن أنبه إليه ... وقد سبقنا في ذلك الفيلسوف إدغار موران
في كتابه الشهير " العالم يسير إلى أين؟" حيث هاجم فلسفة الأنوار باعتبارها
فلسفة حرب وصراع، فهي التي أوحت بفكرة السيطرة على الطبيعة التي كان من نتاجها تدمير
المخزون الطبيعي من غابات ومياه وموارد طبيعية ... وهي ذاتها التي سوغت استحمار الشعوب
التي تقطن خارج الفضاء الأوروبي، بل جعلت من استحمار شعبوب العالم غير الأوروبية عملا
حضاريا بامتياز ... لم يكن هتلر إلا الابن البار للفلسفة العرقية الألمانية المتعالية .....
الدين العميق لا يناقض الفلسفة العميقة أبدا ... بل الدين والفلسفة كما قال
ابن رشد ينبعان من المنبع ذاته غير أن وسائلهما تختلف .... المسألة وما فيها أن المتفلسف
المؤدلج يجعل من الفلسفة وسيلة كما أن المتدين المؤدلج يجعل من الدين وسيلة، وهنا يكمن
التعارض بينهما لتضارب المصالح، فلاسفة الأنوار دخلوا في صراع مع رجال الدين، فهم حاربوا
في الحقيقة الفكر الكنسي ولم يحاربوا الدين العميق .... فالدين الطبيعي الذي نظروا
إليه هو دين يتمتع بمقاصد الدين العميق، ليس المشكل في الدين المسيحي بل المشكل في
الدين المسيحي التاريخي..... وقس على ذلك الإسلام واليهودية ..... ويجب أن ندرك مسألة
أخرى أن كثيرا من الفلسفات تحولت هي نفسها إلى دين حين تحولت إلى عقيدة ولم تحافظ على
خصوصيتها الرئيسة وهي النقد والوعي والاستشراف .....
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق