جدل
الدنيا والدين 8
حديث
عن الغيرة في زمن الهجرة
ذات يوم بعيد، ونحن نرتشف قهوة
بأحد مقاهي المدينة، قال لي صديقي المقرب: أتدري ماذا فعلت اليّوم؟ قلت: لا أعلم
وما كنت للغيب من العالمين ولا من الرجامين. قال لي بإباء: فسخت خطوبتي من ابنة
عمي. قلت: لما هداك الله؟. قال: وجدتها تطل برأسها من باب مسكنها. قلت: وهل هذا
جرم؟؟؟ فقال: نعم إنه جرم وأنا أغار، ومن لا يغار فهو ديوث .... وساق لي جملة من
الأحاديث عن الغيرة ......
بعد سنوات سافر صاحبنا إلى أوروبا، وتزوج إمرأة
فرنسية تكبره بسنوات، وكان كل ربيع يصطحبها معه لزيارة البلد، كانت تأتي على
طبيعتها الغربية ..... وكان صاحبها لا ينزعج من سلوكها داخل مجتمع قبلي ومحافظ،
ويتحجج دوما بأن ثقافتها تختلف عن ثقافتنا
.....
ذات يوم، أصطحبته للمقهى، وبينما نحن نتذاكر
أيام الطفولة والمراهقة، أردت تذكيره بقصة ابنة عمه التي تركها لأنها فقط أطلت
برأسها من خلف باب بيتها.... قلت له: عندما تزوجت ماري هل وجدتها بكرا؟
نظر إلى بغرابة وقد أحمر وجهه، ولم يجب. قلت له:
ابنة عمك لمجرد أنها اطلت برأسها فسخت خطبتها، بينما تزوجت إمرأة فرنسية عاشت
حياتها تتقلب من رجل لآخر، وتزوجتها بالرغم من ذلك، وهي لحد الساعة تقابل أصدقاءها
..... وتفعل ما يحلو لها .... أنت ترى القضية جد طبيعية بينما ابنة بلدك حاسبتها أشد
الحساب، فلو وجدتها تمشي برفقة شاب لقتلتها وتبرر ذلك بالدفاع عن الشرف والغيرة
والدين، بينما ترى الأمر بالعكس تماما عندما تزوجت الفرنسية.
الغيرة أمر محمود إن وضعناه في إطارها الشرعي
والديني، ولكن إن مارسنا الغيرة بانتقائية فهذا أمر مرفوض، وخاصة ونحن نلاحظ
المسلم المهاجر نحو الغرب كيف يتنازل عن الغيرة باسم اختلاف الثقافة والعادات،
بينما يمارسها بنرجسية بغيضة على بنات بلده وجلدته.
حدثنا موسى حدثنا أبو عوانة حدثنا عبد الملك عن
وراد كاتب المغيرة عن المغيرة قال: قال سعد بن عبادة: "لو رأيت رجلا مع امرأتي لضربته بالسيف غير مصفح فبلغ ذلك
النبي صلى الله عليه وسلم فقال أتعجبون من غيرة سعد لأنا أغير منه والله أغير مني"
هو حديث محمود لأنه يعبر عن الإباء والشرف،
ولكن الغيرة تتطلب العدل والمساواة، فلا يجب أن نغار بشكل جنوني ثن نخنع في موقف
آخر خنوع الدّيوث، وهذا ما يحدث مع بعض إخواننا بالمهجر؟
وعن عبد الله بن عمر:
«أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على مارية القبطية وهي حاملٌ بإبراهيم
وعندها نسيبٌ لها قدم معها من مصر فأسلم، وكان كثيرًا ما يدخل على أمِّ إبراهيم
وأنه جبَّ نفسه فقطع ما بين رجليه حتى لم يبق قليلٌ ولا كثيرٌ، فدخل رسول الله صلى
الله عليه وسلم يومًا عليها فوجد عندها قريبها فوجد في نفسه من ذلك شيئًا كما يقع
في أنفس الناس، فخرج متغير اللون فلقيه عمر بن الخطاب رضي الله عنه فعرف ذلك في
وجه فقال: يا رسول الله أراك متغير اللون؟ فأخبره ما وقع في نفسه من قريب مارية.
نتعلم من هذا الدرس
المحمدي أن الغيرة ليست انتقائية، فالغيرة على عائشة هي نفسها الغيرة على مارية،
بالرغم من اختلاف العادات والتقاليد.
وفي ذا ت السياق، قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: « لَا أَحَدَ أَغْيَرُ مِنْ الله وَلِذَلِكَ حَرَّمَ
الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ."
وقال عليه الصلاة أيضا: «إِنَّ الله يَغَارُ وَإِنَّ الْمُؤْمِنَ
يَغَارُ وَغَيْرَةُ الله أَنْ يَأْتِيَ الْمُؤْمِنُ مَا حَرَّمَ عَلَيْهِ (
وقال صلى الله عليه وسلم في خطبته لما كسفت الشمس: «يَا أُمَّةَ
مُحَمَّدٍ والله مَا مِنْ أَحَدٍ أَغْيَرُ مِن الله»، ولكن الغيرة التي شرعها الله
لعباده هي غيرة مرتبطة بالعدل والشجاعة والعفة والمروءة، وليست غيرة جاهلية ثيموسية
تمارس على بنت البلد بشكل جنوني كما تفعل الدّيكة، بينما تمار مع المرأة الأجنبية بنوع من الخنوع كما تفعل الخنازير.
أد. عبد القادر بوعرفة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق