أكبر مستفيد من بقاء أل الأسد إسرائيل والولايات
المتحدة الأمريكية، فتمديد المهل وإقرار الهدن وتمييع القضية هو محاولة كسب تنازلات هامة من الأسد
لصالح إسرائيل بالدرجة الأولى، أمريكا تؤمن بأسطورة جانيس الإله ذو الوجهين، وهي تمارس
الغواية السياسية، وأنا اعتقد شخصيا أن أمريكا ستطرح ذات يوم تسوية تسمح لأسد بالبقاء
في السلطة مع منح المعارضة بعض الكراسي في حكومة توافقية ... إسرائيل تخشى التغيير
في دول الطوق .... إسرائيل تدرك جيدا مدى ضعف الجيش السوري .... والذي تأكد لنا من
خلال الأحداث ... لا أعلم عن أي ممانعة ومقاومة يتحدث النظام السوري ... وهو غير قادر
أصلا على رد أي اختراق للطيران الصهيوني ... امريكا تريد من خلال القول تطمين دول الخليج
والحفاظ على مكاسبها هناك ... لكن بين مصلحة الخليج ومصلحة إسرائل سيكون قرار عم سام
كالأتي : لهم القول ولكم يا أحفاد شمشون الفعل. لم يبق أمام
الشعب السوري الحر إلا نفسه .. فعليه أن يعيد التفكير من جديد في طرق التعامل مع السلطة
النصيرية .. لا بد أن تنتقل المعركة إلى دمشق .. إن ثورة الأطراف مفيدة لكنها غير حاسمة
..المعركة الفاصلة لا بد أن تكون في قلب دمشق.
- نشر بتاريخ: الإثنين، 01 فيفري 2016 23:05
أثارت المادة 38 مكرر من نص المشروع التمهيدي للدستور الجديد، بعض الجدل والنقاشات والتساؤلات. هذه المادة كما جاءت في ديباجة نص الدستور تقول: «الحق في الثقافة مضمون للمواطن، تحمي الدولة التراث الثقافي الوطني المادي وغير المادي وتعمل على الحفاظ عليه». وقد قُوبلت بقراءات متعددة ومختلفة من طرف الكُتاب والأدباء وكذا الناشطين والفاعلين في الحقل الثقافي والإعلامي. قراءات تباينت واختلفت في توجهاتها وفي زاوية رؤيتها لدسترة الثقافة ولفحوى نص المادة التي جاءت لتكفل الحق في الثقافة للمواطن الجزائري. فكيف يكون هذا الحق؟، وكيف يتم تجسيده وتضمينه في الثقافة ومشروعها الحضاري؟.
وهل إدراج الثقافة في الدستور يعد خطوة مهمة وضرورية لصالح الثقافة والمشروع الثقافي والإستراتيجية الثقافية ككل، وأنها في المقابل ستفتح أفاقا أوسع وأرحب وأكثر على المشهد الثقافي الوطني، راهنًا ومستقبلا، أم هي فقط خطوة بِنيّات طيبة للثقافة وفي وجه المشهد الثقافي الجزائري؟.
حول هذا الشأن «مشروع دسترة الثقافة»، كان هذا الملف في عدد اليوم من «كراس الثقافة»، مع مجموعة من الكُتاب والأدباء وبعض الناشطين في حقل الإعلام والثقافة.
وهل إدراج الثقافة في الدستور يعد خطوة مهمة وضرورية لصالح الثقافة والمشروع الثقافي والإستراتيجية الثقافية ككل، وأنها في المقابل ستفتح أفاقا أوسع وأرحب وأكثر على المشهد الثقافي الوطني، راهنًا ومستقبلا، أم هي فقط خطوة بِنيّات طيبة للثقافة وفي وجه المشهد الثقافي الجزائري؟.
حول هذا الشأن «مشروع دسترة الثقافة»، كان هذا الملف في عدد اليوم من «كراس الثقافة»، مع مجموعة من الكُتاب والأدباء وبعض الناشطين في حقل الإعلام والثقافة.
إستطلاع/ نوّارة لحـــرش
عبد القادر رابحي/ شاعر و ناقد
يجب تحديد مفهوم الثقافة الذي يصبح حقا للمواطن يضمنه الدستور
أنْ يلتزم من يصوغون مشاريع المواثيق الرسمية للدولة الجزائرية بما يرونه ضروريا لحماية البعد الثقافي للأمة من خلال محاولتهم ترسيخ استراتيجيات عمل ثقافي يضمنه الدستور، فهذا أمر يرجع أصلا إلى وجهة النظر التي يحملها هؤلاء عن الثقافة وعن التوجهات التي يريدون من المجتمع أن يسير عليها. وقد يرى بعضهم في ذلك تقدما كبيرا في مجال الاعتراف بحق المواطن في الثقافة وفي الفعل الثقافي بوصفهما مكونا ضروريا لمواطنة مهددة بما تحمله الألفية الثالثة من تحديات أصبحت تحمل درجة كبيرة من الخطورة على كينونة المجتمعات الهشة والقابلة للاندثار لمجرد هزات لم تعرف كيف تُحصن بنياتها بمناعات ثقافية وحضارية لمواجهتها.غير أن وجه الخلاف قد يكون في تحديد مفهوم الثقافة الذي يصبح حقا للمواطن يضمنه الدستور، لأن مفهوم الثقافة واسع ولزج وبإمكانه أن يؤدي إلى إنزلاقات مفاهيمية تمس بأساسات أكثر عمقا وخطورة على المجتمع كمشكل الهوية والتاريخ واللغة. ولعله لذلك، فإن مفهوم الثقافة هو من اللباقة والرهافة والسعة بحيث يمكن لأي شخص أن يصب فيه ما يريد، ولأي صياغة رسمية ممأسسة أن تغلق عليه في علبة قانونية. وهنا، قد يظهر ما يشبه المأزق الذي بإمكانه أن يتولّد عند وضع هذا النص موضع التنفيذ خاصة وأن المرجعيات السابقة التي انبنت عليها مشاريع الدولة الوطنية لم تكن واضحة تمام الوضوح في تحديد الركائز التي تؤسس لرؤية ثقافية متفق عليها من طرف المجتمع ويمكن دسترتها عندئذ.وربما سيكون في هذه الحالة لكل مسئول رؤيته الخاصة للثقافة التي هي حق للمواطن؟ لكن هل كان يجب تحديد مفهوم الثقافة حتى تتوضح الصورة عند تطبيقها على أرض الواقع؟لست خبيرا في مسألة قانونية بهذه الحساسية، إذ يتعلق الأمر بصياغة وثيقة مؤسِّسة لرؤية أمة ومُوجِّهة لمساراتها الوجودية المستقبلية، غير أنني أعتقد أنه ليس من مهمة الدساتير، بوصفها مرجعية سياسية وقانونية أولى لدولة ما، تحديد مفهوم للثقافة من خلال دسترتها. ذلك أن الدساتير تهتم، حسب علمي، بالخطوط العريضة والتوجهات الكبرى التي تحمي وجود أمة من الأمم بالنظر إلى تواجدها المكاني والزمني. أما التفاصيل الأخرى فليس من شأن وثيقة بهذه الأهمية أن تلح على تواجدها ضمن الصياغة النهائية لأن ذلك أمر تختص به المواثيق الفرعية الشارحة للتوجهات الكبرى التي يحملها الدستور. ذلك أن الاعتقاد العام هو أن هذه المواثيق الكبرى هي أصلا وليدة رؤية ثقافية بمفهومها الحضاري أنتجتها التراكمات التاريخية والحضارية لأمة من الأمم وحاولت أن تصوغ رؤيتها السياسية والاقتصادية من خلال أفكارها الأساسية وليس العكس. أي أن الوثيقة القانونية أو الدستورية هي نتيجة جهد ثقافي وحضاري لأمة من الأمم ولا يمكن أن تكون هي المحدّدة لمفهوم الثقافة ولطرائق استعمالها من طرف المواطن. وربما احتاجت مجتمعاتنا التي هي عرضة لهب كل ريح نظرا لهشاشة بنياتها الثقافية العميقة إلى تثقيف دساتيرها أكثر من دسترة ثقافتها.
يجب تحديد مفهوم الثقافة الذي يصبح حقا للمواطن يضمنه الدستور
أنْ يلتزم من يصوغون مشاريع المواثيق الرسمية للدولة الجزائرية بما يرونه ضروريا لحماية البعد الثقافي للأمة من خلال محاولتهم ترسيخ استراتيجيات عمل ثقافي يضمنه الدستور، فهذا أمر يرجع أصلا إلى وجهة النظر التي يحملها هؤلاء عن الثقافة وعن التوجهات التي يريدون من المجتمع أن يسير عليها. وقد يرى بعضهم في ذلك تقدما كبيرا في مجال الاعتراف بحق المواطن في الثقافة وفي الفعل الثقافي بوصفهما مكونا ضروريا لمواطنة مهددة بما تحمله الألفية الثالثة من تحديات أصبحت تحمل درجة كبيرة من الخطورة على كينونة المجتمعات الهشة والقابلة للاندثار لمجرد هزات لم تعرف كيف تُحصن بنياتها بمناعات ثقافية وحضارية لمواجهتها.غير أن وجه الخلاف قد يكون في تحديد مفهوم الثقافة الذي يصبح حقا للمواطن يضمنه الدستور، لأن مفهوم الثقافة واسع ولزج وبإمكانه أن يؤدي إلى إنزلاقات مفاهيمية تمس بأساسات أكثر عمقا وخطورة على المجتمع كمشكل الهوية والتاريخ واللغة. ولعله لذلك، فإن مفهوم الثقافة هو من اللباقة والرهافة والسعة بحيث يمكن لأي شخص أن يصب فيه ما يريد، ولأي صياغة رسمية ممأسسة أن تغلق عليه في علبة قانونية. وهنا، قد يظهر ما يشبه المأزق الذي بإمكانه أن يتولّد عند وضع هذا النص موضع التنفيذ خاصة وأن المرجعيات السابقة التي انبنت عليها مشاريع الدولة الوطنية لم تكن واضحة تمام الوضوح في تحديد الركائز التي تؤسس لرؤية ثقافية متفق عليها من طرف المجتمع ويمكن دسترتها عندئذ.وربما سيكون في هذه الحالة لكل مسئول رؤيته الخاصة للثقافة التي هي حق للمواطن؟ لكن هل كان يجب تحديد مفهوم الثقافة حتى تتوضح الصورة عند تطبيقها على أرض الواقع؟لست خبيرا في مسألة قانونية بهذه الحساسية، إذ يتعلق الأمر بصياغة وثيقة مؤسِّسة لرؤية أمة ومُوجِّهة لمساراتها الوجودية المستقبلية، غير أنني أعتقد أنه ليس من مهمة الدساتير، بوصفها مرجعية سياسية وقانونية أولى لدولة ما، تحديد مفهوم للثقافة من خلال دسترتها. ذلك أن الدساتير تهتم، حسب علمي، بالخطوط العريضة والتوجهات الكبرى التي تحمي وجود أمة من الأمم بالنظر إلى تواجدها المكاني والزمني. أما التفاصيل الأخرى فليس من شأن وثيقة بهذه الأهمية أن تلح على تواجدها ضمن الصياغة النهائية لأن ذلك أمر تختص به المواثيق الفرعية الشارحة للتوجهات الكبرى التي يحملها الدستور. ذلك أن الاعتقاد العام هو أن هذه المواثيق الكبرى هي أصلا وليدة رؤية ثقافية بمفهومها الحضاري أنتجتها التراكمات التاريخية والحضارية لأمة من الأمم وحاولت أن تصوغ رؤيتها السياسية والاقتصادية من خلال أفكارها الأساسية وليس العكس. أي أن الوثيقة القانونية أو الدستورية هي نتيجة جهد ثقافي وحضاري لأمة من الأمم ولا يمكن أن تكون هي المحدّدة لمفهوم الثقافة ولطرائق استعمالها من طرف المواطن. وربما احتاجت مجتمعاتنا التي هي عرضة لهب كل ريح نظرا لهشاشة بنياتها الثقافية العميقة إلى تثقيف دساتيرها أكثر من دسترة ثقافتها.
بوحنية قوي/ باحث و عميد كلية الحقوق و العلوم السياسية بجامعة ورقلة
اعتراف المُشرِّع للحق في الثقافة يعزز من القيم الثقافية
لا شك أن «دسترة الثقافة» عملية قانونية ودستورية مهمة فنحن في الجزائر نتحدث عن تنوع وثراء في اللهجات والعادات والتراث العالمي اللامادي. والمحافظة على هذا الموروث يتطلب إجراءات قانونية ودستورية مهمة، وأيضا تشكيل هيئات نظامية يُعهد لها بصيانة هذا التراث اللامادي الإنساني حتى لا يندثر، ولا شك أن اعتراف المُشرِّع للحق في الثقافة يعزز من القيم الثقافية المُشكِل للنسيج الثقافي والأدبي والعلمي والسياحي والتراثي الثري للجزائر.إن دسترة الحق في الثقافة عملية هامة حقا، ولكن الأهم إصدار تنظيمات ونصوص تسمح بإدارة الشأن الثقافي بشكل يضمن حيوية أداء وزارة الثقافة والمديرات الخاصة بالثقافة وأيضا الهياكل التنظيمية المختلفة التي يُعهد إليها برعاية الشأن الثقافي الجزائري الثري والمتعدد.
اعتراف المُشرِّع للحق في الثقافة يعزز من القيم الثقافية
لا شك أن «دسترة الثقافة» عملية قانونية ودستورية مهمة فنحن في الجزائر نتحدث عن تنوع وثراء في اللهجات والعادات والتراث العالمي اللامادي. والمحافظة على هذا الموروث يتطلب إجراءات قانونية ودستورية مهمة، وأيضا تشكيل هيئات نظامية يُعهد لها بصيانة هذا التراث اللامادي الإنساني حتى لا يندثر، ولا شك أن اعتراف المُشرِّع للحق في الثقافة يعزز من القيم الثقافية المُشكِل للنسيج الثقافي والأدبي والعلمي والسياحي والتراثي الثري للجزائر.إن دسترة الحق في الثقافة عملية هامة حقا، ولكن الأهم إصدار تنظيمات ونصوص تسمح بإدارة الشأن الثقافي بشكل يضمن حيوية أداء وزارة الثقافة والمديرات الخاصة بالثقافة وأيضا الهياكل التنظيمية المختلفة التي يُعهد إليها برعاية الشأن الثقافي الجزائري الثري والمتعدد.
عمار عباس/ باحث مختص في القانون الدستوري و النظم السياسية المقارنة
إقرار و تضمين الحق في الثقافة و دسترتها يخدم التنمية المستدامة
نصَّ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لسنة 1948 على حق الإنسان في الثقافة مؤكدا أن لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير والتعلم، وأن يشارك اشتراكا حراً في حياة المجتمع الثقافية وفي الاستمتاع بالفنون والمساهمة في التقدم العلمي والاستفادة من نتائجه، وحماية المصالح الأدبية والمادية المترتبة على إنتاجه العلمي أو الأدبي أو الفني (المواد 19 و26 و27 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لسنة 1948).
ومن جهته شدد العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية لسنة 1966، على أن الدول الأطراف في هذا العهد تقر حق كل فرد في المشاركة في الحياة الثقافية، والتمتع بفوائد التقدم العلمي وبتطبيقاته، والاستفادة من حماية المصالح المعنوية والمادية الناجمة عن أي أثر علمي أو فني أو أدبي من صنعه (المادة 15 من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية لسنة 1966). وبالنظر إلى أهمية هذا الحق ونتيجة لالتزامات الدول بالمعاهدات والمواثيق الدولية، اتجهت إلى تأطيره، وضمان الحماية الكفيلة له في دساتيرها وتشريعاتها الداخلية.
وقد جاءت دسترة الحق في الثقافة في الجزائر مع الحقوق المجاورة له وعلى رأسها حرية الصحافة والحرية الأكاديمية، إضافة إلى الاعتراف للمواطن بحقوق التعبير والتأليف، وضمان حرية الابتكار الفكري والفني والعلمي، وعدم جواز حجز أي مطبوع أو تسجيل أو أية وسيلة أخرى من وسائل التبليغ والإعلام إلا بمقتضى أمر قضائي (المادة 38 من دستور1996)، فقد تضمن المشروع التمهيدي للتعديل الدستوري في الجزائر لسنة 2016 النص على ضمان حرية الصحافة المكتوبة والسمعية البصرية وعلى الشبكات الإعلامية والتي لا يمكن أن تُقيّد بأي شكل من أشكال الرقابة القبلية شريطة عدم استغلال هذه الحرية للمساس بكرامة الغير وحرياتهم وحقوقهم.
كما نص على أن ضمان الحق في نشر المعلومات والأفكار والصور والآراء بكل حرية مع احترام ثوابت الأمة وقيمها الدينية والأخلاقية والثقافية، عِلمًا أن جنحة الصحافة أصبحت لا تخضع لعقوبة سالبة للحرية، زيادة على ذلك ضمان الحصول على المعلومات والوثائق والإحصائيات ونقلها للمواطن شريطة أن لا تمس ممارسة هذا الحق بحياة الغير الخاصة وبحقوقهم وبالمصالح المشروعة للمقاولات وبمقتضيات الأمن الوطني، غير أن الجديد الذي جاء به التعديل الدستوري في مجال الثقافة والبحث العلمي هو إقراره بضمان الحق في الثقافة (المادة 38 مكرر من المشروع التمهيدي للتعديل الدستوري في الجزائر لسنة 2016.) والحريات الأكاديمية وحرية البحث العلمي مع إلزام الدولة بالعمل على ترقيته وتثمينه، خدمة للتنمية المستدامة للأمة، وعلى حماية التراث الثقافي الوطني المادي وغير المادي، مع العمل على الحفاظ عليه (المواد41 مكرر2 و41 مكرر 3 و38 من المشروع التمهيدي للتعديل الدستوري).
ومن الآثار المترتبة على دسترة الحق في الثقافة أن تضمين الحق في الثقافة والحقوق المجاورة له في الدستور سيكون سندا لكل متقاضي يرى بأن تشريعا ما مس بحقه في الثقافة للطعن ولو بطريق غير مباشر أمام القضاء الدستوري في دستوريته، كما يمكن الهيئة المكلفة بالرقابة الدستورية من مباشرة الرقابة حامية لهذا الحق الدستوري، خاصة مع تمكين المواطنين بحق الدفع بعدم دستورية التشريعات، إذ يعتبر القضاء عموما والقضاء الدستوري على الخصوص من بين أهم الآليات لحماية الحقوق الأساسية المنصوص عليها في الدستور، ومن بينها الحق في الثقافة.
إقرار و تضمين الحق في الثقافة و دسترتها يخدم التنمية المستدامة
نصَّ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لسنة 1948 على حق الإنسان في الثقافة مؤكدا أن لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير والتعلم، وأن يشارك اشتراكا حراً في حياة المجتمع الثقافية وفي الاستمتاع بالفنون والمساهمة في التقدم العلمي والاستفادة من نتائجه، وحماية المصالح الأدبية والمادية المترتبة على إنتاجه العلمي أو الأدبي أو الفني (المواد 19 و26 و27 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لسنة 1948).
ومن جهته شدد العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية لسنة 1966، على أن الدول الأطراف في هذا العهد تقر حق كل فرد في المشاركة في الحياة الثقافية، والتمتع بفوائد التقدم العلمي وبتطبيقاته، والاستفادة من حماية المصالح المعنوية والمادية الناجمة عن أي أثر علمي أو فني أو أدبي من صنعه (المادة 15 من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية لسنة 1966). وبالنظر إلى أهمية هذا الحق ونتيجة لالتزامات الدول بالمعاهدات والمواثيق الدولية، اتجهت إلى تأطيره، وضمان الحماية الكفيلة له في دساتيرها وتشريعاتها الداخلية.
وقد جاءت دسترة الحق في الثقافة في الجزائر مع الحقوق المجاورة له وعلى رأسها حرية الصحافة والحرية الأكاديمية، إضافة إلى الاعتراف للمواطن بحقوق التعبير والتأليف، وضمان حرية الابتكار الفكري والفني والعلمي، وعدم جواز حجز أي مطبوع أو تسجيل أو أية وسيلة أخرى من وسائل التبليغ والإعلام إلا بمقتضى أمر قضائي (المادة 38 من دستور1996)، فقد تضمن المشروع التمهيدي للتعديل الدستوري في الجزائر لسنة 2016 النص على ضمان حرية الصحافة المكتوبة والسمعية البصرية وعلى الشبكات الإعلامية والتي لا يمكن أن تُقيّد بأي شكل من أشكال الرقابة القبلية شريطة عدم استغلال هذه الحرية للمساس بكرامة الغير وحرياتهم وحقوقهم.
كما نص على أن ضمان الحق في نشر المعلومات والأفكار والصور والآراء بكل حرية مع احترام ثوابت الأمة وقيمها الدينية والأخلاقية والثقافية، عِلمًا أن جنحة الصحافة أصبحت لا تخضع لعقوبة سالبة للحرية، زيادة على ذلك ضمان الحصول على المعلومات والوثائق والإحصائيات ونقلها للمواطن شريطة أن لا تمس ممارسة هذا الحق بحياة الغير الخاصة وبحقوقهم وبالمصالح المشروعة للمقاولات وبمقتضيات الأمن الوطني، غير أن الجديد الذي جاء به التعديل الدستوري في مجال الثقافة والبحث العلمي هو إقراره بضمان الحق في الثقافة (المادة 38 مكرر من المشروع التمهيدي للتعديل الدستوري في الجزائر لسنة 2016.) والحريات الأكاديمية وحرية البحث العلمي مع إلزام الدولة بالعمل على ترقيته وتثمينه، خدمة للتنمية المستدامة للأمة، وعلى حماية التراث الثقافي الوطني المادي وغير المادي، مع العمل على الحفاظ عليه (المواد41 مكرر2 و41 مكرر 3 و38 من المشروع التمهيدي للتعديل الدستوري).
ومن الآثار المترتبة على دسترة الحق في الثقافة أن تضمين الحق في الثقافة والحقوق المجاورة له في الدستور سيكون سندا لكل متقاضي يرى بأن تشريعا ما مس بحقه في الثقافة للطعن ولو بطريق غير مباشر أمام القضاء الدستوري في دستوريته، كما يمكن الهيئة المكلفة بالرقابة الدستورية من مباشرة الرقابة حامية لهذا الحق الدستوري، خاصة مع تمكين المواطنين بحق الدفع بعدم دستورية التشريعات، إذ يعتبر القضاء عموما والقضاء الدستوري على الخصوص من بين أهم الآليات لحماية الحقوق الأساسية المنصوص عليها في الدستور، ومن بينها الحق في الثقافة.
خليفة بن قارة/ كاتب و إعلامي
دسترتها لو تصدق الإرادات تُمثِّل أرضية انطلاق في بناء خارطة طريق ثقافية للأجيال القادمة
لا بد من الإشارة أولا، إلى أن الثقافة في مشروع الدستور الجديد، قد تمت في غياب جُلّ المثقفين، على اختلاف تنوّعاتهم ومدارسهم واتجاهاتهم، وقد تُرِك أمرُها إلى أدعياء الثقافة، ممّن يسبحون في بِرَك السياسة، يفعلون بها ما يحلو لهم، وهو ما جعلها تكون أولى ضحايا التغييرات. إن الاكتفاء بمادة من خمس عشْرة كلمة أو أقل، تؤسِّس لثقافة شعبٍ مُوزَّعٍ على وطنٍ بحجم قارة، هو نوع من الاستهتار بالثقافة وأهلها، وقد يكون وفاء من مُعِدّي هذا المشروع، لصفة الاستخفاف بالثقافة. ولعل الواقع الثقافي المُحْزِن الذي نعيش بؤسه، خير دليل على هذه الحالة الشاذة، ولكنني كنت آمل أن تَبين هذه المادة عن إستراتيجية وطنية للثقافة، تكون بمثابة الطريق الإجباري الذي يسلكه كل من يتولى تسيير الدولة.
الجزائر من الدول الأكثر غِنًى بالقوانين في كل المجالات إلى حدِّ التخمة، ولكنها من البلدان الأكثر فقْرًا في تطبيق القوانين، مما جعلها عرضة لكل الآفات التي تحدّ من إرادة التطوّر، وسقطت في مستنقعات الفوضى والتسيّب التي ضربت كل القطاعات، ومنه قطاع الثقافة الذي نحتته السياسات العرجاء، التي عالجت مرافقه -في غياب أصحابه- معالجة هي أقرب إلى الهدم منه إلى البناء أو إعادة البناء، حتى كاد يُصبح أطلالا هجرها أهلها إلى ثقافات أخرى، مما يُعرِّض الأمة إلى مخاطر التفكّك، الذي بدأت مظاهره في الظهور في شكل عصبيات لسانية ودينية وحتى أخلاقية، مما سيكون له تأثيره السلبي على جغرافية الشعب.إنْ كنا نفرح لوجود هذه المادة على هزالها، باعتبارها ضمانة قانونية لحقِّ المواطن في الثقافة، فإننا نفعل ذلك لمجرّد الفرح أو التفاؤل، لكونها تُمثِّل أرضية قد تنطلق الأعمال منها حينما تصدق الإرادات، في بناء خارطة طريق ثقافية للأجيال القادمة، تفرض على مختلف مؤسسات الدولة، إحقاق المواطن حقه في الثقافة، بكل وسائل التثقيف والمثاقفة، وتحفظ له تراثه المادي وغير المادي، من عبث تجّار السياسة الذين لا جنسية ثقافية لهم، إلا ما يحقِّق لهم مصالحهم الشخصية والفئوية، من أجل حماية الهُويّة الجزائرية، بكل أبعادها التاريخية والحضارية .
دسترتها لو تصدق الإرادات تُمثِّل أرضية انطلاق في بناء خارطة طريق ثقافية للأجيال القادمة
لا بد من الإشارة أولا، إلى أن الثقافة في مشروع الدستور الجديد، قد تمت في غياب جُلّ المثقفين، على اختلاف تنوّعاتهم ومدارسهم واتجاهاتهم، وقد تُرِك أمرُها إلى أدعياء الثقافة، ممّن يسبحون في بِرَك السياسة، يفعلون بها ما يحلو لهم، وهو ما جعلها تكون أولى ضحايا التغييرات. إن الاكتفاء بمادة من خمس عشْرة كلمة أو أقل، تؤسِّس لثقافة شعبٍ مُوزَّعٍ على وطنٍ بحجم قارة، هو نوع من الاستهتار بالثقافة وأهلها، وقد يكون وفاء من مُعِدّي هذا المشروع، لصفة الاستخفاف بالثقافة. ولعل الواقع الثقافي المُحْزِن الذي نعيش بؤسه، خير دليل على هذه الحالة الشاذة، ولكنني كنت آمل أن تَبين هذه المادة عن إستراتيجية وطنية للثقافة، تكون بمثابة الطريق الإجباري الذي يسلكه كل من يتولى تسيير الدولة.
الجزائر من الدول الأكثر غِنًى بالقوانين في كل المجالات إلى حدِّ التخمة، ولكنها من البلدان الأكثر فقْرًا في تطبيق القوانين، مما جعلها عرضة لكل الآفات التي تحدّ من إرادة التطوّر، وسقطت في مستنقعات الفوضى والتسيّب التي ضربت كل القطاعات، ومنه قطاع الثقافة الذي نحتته السياسات العرجاء، التي عالجت مرافقه -في غياب أصحابه- معالجة هي أقرب إلى الهدم منه إلى البناء أو إعادة البناء، حتى كاد يُصبح أطلالا هجرها أهلها إلى ثقافات أخرى، مما يُعرِّض الأمة إلى مخاطر التفكّك، الذي بدأت مظاهره في الظهور في شكل عصبيات لسانية ودينية وحتى أخلاقية، مما سيكون له تأثيره السلبي على جغرافية الشعب.إنْ كنا نفرح لوجود هذه المادة على هزالها، باعتبارها ضمانة قانونية لحقِّ المواطن في الثقافة، فإننا نفعل ذلك لمجرّد الفرح أو التفاؤل، لكونها تُمثِّل أرضية قد تنطلق الأعمال منها حينما تصدق الإرادات، في بناء خارطة طريق ثقافية للأجيال القادمة، تفرض على مختلف مؤسسات الدولة، إحقاق المواطن حقه في الثقافة، بكل وسائل التثقيف والمثاقفة، وتحفظ له تراثه المادي وغير المادي، من عبث تجّار السياسة الذين لا جنسية ثقافية لهم، إلا ما يحقِّق لهم مصالحهم الشخصية والفئوية، من أجل حماية الهُويّة الجزائرية، بكل أبعادها التاريخية والحضارية .
عمار كساب/ ناشط ثقافي و مؤســـس مجموعة العـمـل حـول السياسة الثقافية
دسترة الثقافة مكسب جديد
نظريا، تُعتبر «دسترة الثقافة» مكسب جديد للشعب الجزائري بصورة عامة وللناشطين في المجال الثقافي بصورة خاصة. فبدسترة «الثقافة» تصبح هذه الأخيرة (حق) من الحقوق المبدئية للمواطن الجزائري، الذي يمكنه أن يُطالب بها كحق يكفله الدستور إذا لم توفر له الدولة المنشآت الثقافية والموارد المالية والبشرية المناسبة حتى يتسنى له التمتع بحقه في الثقافة. وحتى يتحقق هذا يجب الإبقاء على ميزانية معتبرة تخصصها الدولة للثقافة كي يتسنى لأكبر عدد ممكن من المواطنين الوصول للثقافة عن طريق البرامج الثقافية والفنية وكذلك التربية الفنية على مستوى المؤسسات التعليمية، الخ. ولكن الصيغة التي اُقترحت بها دسترة «الثقافة» تطرح عدة إشكاليات، من بينها إشكالية عدم تحديد آليات الحق في الثقافة للمواطن وكيفية وصوله إلى الثقافة، لأن الحق في الثقافة كما هو معروف دوليا مبني على حقين، وهما: حق الاستمتاع بالمواد الثقافية والفنون، وحق التعبير الثقافي، أي ممارسة الفنون. لكن جاءت المادة وكأنها تعطي الحق للمواطن في استهلاك الثقافة وفقط وليس في خلق الثقافة، وتجاهلت بهذا حقه في الإبداع وممارسة الفعل الثقافي، حيث إنه من المهم إضافة «حق الإبداع والتعبير الثقافي» بصورة واضحة. أما الإشكالية الثانية التي تطرحها الصيغة الحالية لدسترة «الثقافة» هو عدم تعريف الثقافة، فعلى أي ثقافة تحدث مشروع الدستور الجديد؟ كان يجب أن نعطي تعريفا للثقافة الجزائرية، وذلك بالأخذ بعين الاعتبار كل أبعاد الهوية الوطنية حتى يتم تفادي أي تأويل خاطئ. وللتذكير فإن مفهوم الثقافة يختلف من دولة إلى أخرى حسب التاريخ والدين والتقاليد.أمّا عمليًا، فتطبيق هذه المادة بإتاحة «حق الثقافة» لكل المواطنين الجزائريين سيكون بغاية الصعوبة، خاصة وأن الإستراتيجية الثقافية منذ عدة سنوات تعتمد على مركزية الفعل الثقافي في العاصمة وبعض المدن الكبيرة، فكيف ستصل «الثقافة» ريفنا وصحرائنا الكبيرين؟. زد على ذلك انخفاض ميزانية الثقافة بـــــ63 % سنة 2016، وهذا مؤشر لا يُشجع على تحقيق هدف أو أهداف إيصال الثقافة إلى كل المواطنين الجزائريين. ولذلك يجب البدء وبسرعة في العمل على «لا مركزة الفعل الثقافي» وإعطاء الجمعيات الثقافية والفنية المحلية إمكانيات أكبر لأنها الوحيدة القادرة على إيصال «الثقافة» إلى المناطق النائية والمعزولة. إذا نعم، «دسترة الثقافة» مكسب جديد ولكنه مكسب هش لا يمكن تطبيقه إذا لم تكن هناك سياسات عمومية قوية في مجال الثقافة.
دسترة الثقافة مكسب جديد
نظريا، تُعتبر «دسترة الثقافة» مكسب جديد للشعب الجزائري بصورة عامة وللناشطين في المجال الثقافي بصورة خاصة. فبدسترة «الثقافة» تصبح هذه الأخيرة (حق) من الحقوق المبدئية للمواطن الجزائري، الذي يمكنه أن يُطالب بها كحق يكفله الدستور إذا لم توفر له الدولة المنشآت الثقافية والموارد المالية والبشرية المناسبة حتى يتسنى له التمتع بحقه في الثقافة. وحتى يتحقق هذا يجب الإبقاء على ميزانية معتبرة تخصصها الدولة للثقافة كي يتسنى لأكبر عدد ممكن من المواطنين الوصول للثقافة عن طريق البرامج الثقافية والفنية وكذلك التربية الفنية على مستوى المؤسسات التعليمية، الخ. ولكن الصيغة التي اُقترحت بها دسترة «الثقافة» تطرح عدة إشكاليات، من بينها إشكالية عدم تحديد آليات الحق في الثقافة للمواطن وكيفية وصوله إلى الثقافة، لأن الحق في الثقافة كما هو معروف دوليا مبني على حقين، وهما: حق الاستمتاع بالمواد الثقافية والفنون، وحق التعبير الثقافي، أي ممارسة الفنون. لكن جاءت المادة وكأنها تعطي الحق للمواطن في استهلاك الثقافة وفقط وليس في خلق الثقافة، وتجاهلت بهذا حقه في الإبداع وممارسة الفعل الثقافي، حيث إنه من المهم إضافة «حق الإبداع والتعبير الثقافي» بصورة واضحة. أما الإشكالية الثانية التي تطرحها الصيغة الحالية لدسترة «الثقافة» هو عدم تعريف الثقافة، فعلى أي ثقافة تحدث مشروع الدستور الجديد؟ كان يجب أن نعطي تعريفا للثقافة الجزائرية، وذلك بالأخذ بعين الاعتبار كل أبعاد الهوية الوطنية حتى يتم تفادي أي تأويل خاطئ. وللتذكير فإن مفهوم الثقافة يختلف من دولة إلى أخرى حسب التاريخ والدين والتقاليد.أمّا عمليًا، فتطبيق هذه المادة بإتاحة «حق الثقافة» لكل المواطنين الجزائريين سيكون بغاية الصعوبة، خاصة وأن الإستراتيجية الثقافية منذ عدة سنوات تعتمد على مركزية الفعل الثقافي في العاصمة وبعض المدن الكبيرة، فكيف ستصل «الثقافة» ريفنا وصحرائنا الكبيرين؟. زد على ذلك انخفاض ميزانية الثقافة بـــــ63 % سنة 2016، وهذا مؤشر لا يُشجع على تحقيق هدف أو أهداف إيصال الثقافة إلى كل المواطنين الجزائريين. ولذلك يجب البدء وبسرعة في العمل على «لا مركزة الفعل الثقافي» وإعطاء الجمعيات الثقافية والفنية المحلية إمكانيات أكبر لأنها الوحيدة القادرة على إيصال «الثقافة» إلى المناطق النائية والمعزولة. إذا نعم، «دسترة الثقافة» مكسب جديد ولكنه مكسب هش لا يمكن تطبيقه إذا لم تكن هناك سياسات عمومية قوية في مجال الثقافة.
عبد القادر بوعرفة/ أستاذ بجامعة وهران قسم الفلسفة و مدير مختبر الأبعاد القيمية للتحولات بالجزائر
ما قدمته المادة 38 مكرر مهم من حيث البعد السياسي لترسيم الثقافة الجزائرية و الدفاع عنها
نعتقد بوجوب «دسترة الثقافة» باعتبارها بلازما الهُوية الجزائرية، وهي الصنوان الذي يُعطي الخصوصية والتميز للشعب الجزائري، فالعولمة لم تستطع أن تُعولم العالم نظرا لطبيعة الثقافة وعدم قابليتها للاحتواء. ما قدمته المادة 38 (مكرر) مهم جدا من حيث البعد السياسي لترسيم الثقافة الجزائرية والدفاع عنها، لكننا نعتقد أنها لم تمنح الثقافة بعدها الحقيقي والعميق، ولم تؤسس لها حضاريا، ولم تُقَعِد لها مُؤسساتيا، ذلك أن مشكلة الثقافة تبدأ من مفهوم الثقافة أصلا، حيث لازال المُشرِّع الجزائري ينظر إلى الثقافة على أنها تراث مادي في أغلبه، وأنها مجرد فلكلور ورقص وغناء وطبع كِتاب...، بينما الثقافة يجب أن ننظر إليها على أنها مشروع حضاري وغد ومستقبل وليست (ماضي) موغل في التاريخ.يجب أن نُخرِج الثقافة من الديماغوجية، فقولنا: «الحق في الثقافة مكفول لكل مواطن» هو ذاته شعار لا أساس له من الصحة، لا يختلف عن كثير من العبارات التي سأم الناس سماعها كالحق في العلاج، كما يجب ربط المعطى الثقافي بالفعل الاستراتيجي من خلال بناء الذات الحضارية، فالذات الحضارية هي التي تحافظ على الأمة كماضي وغد، عندما نضع الثقافة في رفوف العتاقة تصبح مجرد كيان تراثي قاتل ومضل، فالثقافة يجب أن تخرج من الفعل السياسوي إلى الفعل الجماهيري، وعلى مر تاريخ الجزائر المستقلة لم تُقدم الثقافة كهوية ذات فاعلية حضارية بل قُدِمت على أنها مجرد لعبة مهرجانية.ما أغفلته المادة (38 مكرر) أن الثقافة ليست مادة فحسب بل روحا تسري في شعور الأمة، ويمكن لذلك الشعور عندما نوجهه تربويا وسياسيا أن يصنع المعجزات كما فعل في اليابان وبلدان النمور المتحفزة. الجدير بالذكر أن وزير الثقافة أوضح أن المادة ركزت على توجه جديد للثقافة يتمثل فيما أسماه بالثقافة الاستثمارية: «أصبح للمواطن الحق أن يشترط ثقافة استثمارية جادة تراعي حاجياته وتنسجم مع هويته وتحقق مطلبه في ثقافة مفيدة اجتماعيا وفكريا وترفيهيا». لكن الثقافة الاستثمارية ستكون أَمة المال والثراء وليس أداة لبناء الشخصية الجزائرية أو الدخول في الجيوستراتجية، فكما فعل البرجوازيون بالثروة المعدنية والنباتية سيفعلون بالثروة الثقافية. وهذا دليل على سياسوية المادة. أنا أعتقد أن المادة ذاتها تعكس رؤيتنا للثقافة، فما دامت الثقافة مجرد مردود فستظل مجرد فلكلور ومهرجانات وغيرها. إن الثقافة شعور بالوجود المادي واللامادي ووعي بالغد وأمل بالمستقبل، الثقافة ليست زهوا ولا ربحا بل هي استثمار حضاري كما يقول مالك بن نبي في كتابه «مشكلة الثقافة».
ما قدمته المادة 38 مكرر مهم من حيث البعد السياسي لترسيم الثقافة الجزائرية و الدفاع عنها
نعتقد بوجوب «دسترة الثقافة» باعتبارها بلازما الهُوية الجزائرية، وهي الصنوان الذي يُعطي الخصوصية والتميز للشعب الجزائري، فالعولمة لم تستطع أن تُعولم العالم نظرا لطبيعة الثقافة وعدم قابليتها للاحتواء. ما قدمته المادة 38 (مكرر) مهم جدا من حيث البعد السياسي لترسيم الثقافة الجزائرية والدفاع عنها، لكننا نعتقد أنها لم تمنح الثقافة بعدها الحقيقي والعميق، ولم تؤسس لها حضاريا، ولم تُقَعِد لها مُؤسساتيا، ذلك أن مشكلة الثقافة تبدأ من مفهوم الثقافة أصلا، حيث لازال المُشرِّع الجزائري ينظر إلى الثقافة على أنها تراث مادي في أغلبه، وأنها مجرد فلكلور ورقص وغناء وطبع كِتاب...، بينما الثقافة يجب أن ننظر إليها على أنها مشروع حضاري وغد ومستقبل وليست (ماضي) موغل في التاريخ.يجب أن نُخرِج الثقافة من الديماغوجية، فقولنا: «الحق في الثقافة مكفول لكل مواطن» هو ذاته شعار لا أساس له من الصحة، لا يختلف عن كثير من العبارات التي سأم الناس سماعها كالحق في العلاج، كما يجب ربط المعطى الثقافي بالفعل الاستراتيجي من خلال بناء الذات الحضارية، فالذات الحضارية هي التي تحافظ على الأمة كماضي وغد، عندما نضع الثقافة في رفوف العتاقة تصبح مجرد كيان تراثي قاتل ومضل، فالثقافة يجب أن تخرج من الفعل السياسوي إلى الفعل الجماهيري، وعلى مر تاريخ الجزائر المستقلة لم تُقدم الثقافة كهوية ذات فاعلية حضارية بل قُدِمت على أنها مجرد لعبة مهرجانية.ما أغفلته المادة (38 مكرر) أن الثقافة ليست مادة فحسب بل روحا تسري في شعور الأمة، ويمكن لذلك الشعور عندما نوجهه تربويا وسياسيا أن يصنع المعجزات كما فعل في اليابان وبلدان النمور المتحفزة. الجدير بالذكر أن وزير الثقافة أوضح أن المادة ركزت على توجه جديد للثقافة يتمثل فيما أسماه بالثقافة الاستثمارية: «أصبح للمواطن الحق أن يشترط ثقافة استثمارية جادة تراعي حاجياته وتنسجم مع هويته وتحقق مطلبه في ثقافة مفيدة اجتماعيا وفكريا وترفيهيا». لكن الثقافة الاستثمارية ستكون أَمة المال والثراء وليس أداة لبناء الشخصية الجزائرية أو الدخول في الجيوستراتجية، فكما فعل البرجوازيون بالثروة المعدنية والنباتية سيفعلون بالثروة الثقافية. وهذا دليل على سياسوية المادة. أنا أعتقد أن المادة ذاتها تعكس رؤيتنا للثقافة، فما دامت الثقافة مجرد مردود فستظل مجرد فلكلور ومهرجانات وغيرها. إن الثقافة شعور بالوجود المادي واللامادي ووعي بالغد وأمل بالمستقبل، الثقافة ليست زهوا ولا ربحا بل هي استثمار حضاري كما يقول مالك بن نبي في كتابه «مشكلة الثقافة».