الإمامة والسياسة
كتاب في نسبته إلى ابن قتيبة شك قديم، وأول من أماط اللثام عن الريب في نسبته إليه القاضي أبو بكر
ابن العربي (ت 543هـ) في كتابه (العواصم من القواصم) (ص 45 - 48). ومقدمته الهزيلة
ناطقة بأنه أبعد ما يكون عن أدب ابن قتيبة، الذي ميز مقدماته لكتبه بطابع خاص،
اشتهرت به، وعرفها الناس عنه، حتى قالوا في كتابه (أدب الكاتب): مقدمة بلا كتاب.
ولاحظ النقاد شيوع أسلوب السجع في الكتاب، وهو ما لا نراه في أدب ابن قتيبة
وكتاباته الرصينة. أضف إلى ذلك ورود أحداث في الكتاب وقعت بعد وفاة ابن قتيبة، كذكره
مراكش، وهي مدينة أنشاها ابن تاشفين حوالي سنة (470هـ) ومما أورده الناقدون من الحجج
على بطلان نسبة الكتاب إلي ابن قتيبة أن المؤلف ينقل مشافهة خبرا عن امرأة شهدت فتح
الأندلس، بينما كان فتح الأندلس قبل مولد ابن قتيبة بنحو (120) سنة، وذلك عام (92هـ)
ومن ذلك أنه ذكر أن الرشيد عهد بالولاية لابنه المأمون أولا ثم للأمين، والعكس هو
الصحيح كما يذكر ابن قتيبة نفسه في كتابه (المعارف) وأراد واضع الكتاب بالإمامة
والسياسة: ذكر أبرز أخبار الخلفاء والأئمة، سيما الأخبار التي اتسمت بالخلاف
السياسي كيوم السقيفة ويوم الدار، ووقعة الحرة وقتلاها سنة (63هـ) وقد ختم الجزء الأول
بكلامه على فضائل أهل الحرة، وافتتح الجزء الثاني بذكر اختلاف الرواة فيها، وتطرق بعد
حديثه عن أيام الوليد وسليمان ابني عبد الملك إلى أخبار ولاة الأندلس، مفصلا الكلام
عن فتح الأندلس وأفريقة، وعاد فذكر وفاة سليمان بن عبد الملك، وأسخن الأحداث
التي انتهت بها الدولة الأموية، ثم شرع في الحديث عن قيام الدولة العباسية،
وانتهى فيه إلى تفصيل ما جرى بين الأمين والمأمون ، حتى مقتل الأمين سنة (195هـ).
إلا أنه لم يعتمد في سرده للأحداث نظام الحوليات المتبع عند المؤرخين، ومن أهم النصوص
السياسية التي اشتمل عليها الكتاب خطبة سفيان الثوري بمنى بين يدي أبي جعفر
المنصور، فلما أغلظ فيها الكلام قاطعه أبو عبيدة كاتب المنصور بقوله: (أمير المؤمنين
يستقبل بمثل هذا ? فقال له سفيان: اسكت، فإنما أهلك فرعون هامان، وهامان فرعون) انظر
دائرة سفير للمعارف الإسلامية (ج 52 ص122) ومنها استفدنا التعريف بهذا الكتاب،
وفيها أن أشنع أخطاء الكتاب ما ذكره المؤلف من رفض علي (كرم الله وجهه) بيعة أبي
بكر، وتحريضه السيدة عائشة على قتل عثمان (ر) وانظر أيضا (د. عمر مسلّم العكش:
(ابن قتيبة الدينوري وجهوده اللغوية) (طبعة المجمع الثقافي بمدينة أبوظبي 2005م
ص109) ومما ساقه من الأدلة على بطلان نسبة الكتاب إلى ابن قتيبة، غير ما ذكرناه
آنفا: أنه ينقل مباشرة عن أبي ليلى الذي تولى القضاء في الكوفة سنة (148هـ) وأن
الكتاب لم يذكره أحد ممن ترجم له من القدامى، ولم يذكره ابن قتيبة في أي من مؤلفاته.
طبع كتاب (الإمام والسياسة) مرات كثيرة، أولها في القاهرة سنة (1322هـ 1904م)
جزآن في مجلد واحد.