بسم الله الرحمان الرحيم
أيها المسلمون الجزائريون
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
حياكم الله وأحياكم، وأحيا بكم الجزائر، وجعل منكم نورا يمشي من
بين يديها ومن خلفها. هذا هو الصوت الذي يسمع الآذان الصم ، وهذا هو الدواء الذي
يفتح الأعين المغمضة، وهذه هي اللغة التي تنفذ معانيها إلى الأذهان البليدة، وهذا
هو المنطلق الذي يقوم القلوب الغلف، وهذا هو الشعاع الذي يخترق الحجب والأوهام.
كان العالم يسمع ببلايا الإستعمار الفرنسي لدياركم ، فيعجب كيف لم
تثوروا، وكان يسمع أنينكم وتوجعكم منه ، فيعجب كيف تؤثرون هذا الموت البطيئ على
الموت العاجل المريح ، وكانت فرنسا تسوق شبابكم إلى المجازر البشرية في الحروب
الإستعمارية ، فتموت عشرات الآلاف منكم في غير شرف ولا محمدة ، بل في سبيل فرنسا،
وتوسيع ممالكها، وحماية ديارها، ولو أن تلك العشرات من الآلاف من أبنائنا ماتوا في
سبيل الجزائر، لماتوا شهداء، وكنتم بهم سعداء.
أيها الإخوة الجزائريون
أذكروا غدر الاستعمار ومماطلته.
احتلت فرنسا وطنكم منذ قرن وربع قرن ، وشهد لكم التاريخ ، بأنكم
قاومتموها مقاومة الأبطال، وثرتم عليها مجتمعين ومتفرقين نصف هذه المد ة. فما رعت
في حربها لكم دينا ولا عهدا، ولا قانونا ولا إنسانية ، بل ارتكبت كل أساليب
الوحشية من تقتيل النساء والأطفال والمرضى، وتحريق القبائل كاملة ، بديارها
وحيواناتها وأقواتها .
ثم حاربتم معها وفي صفها، وفي سبيل بقائها نصف هذه المدة، ففتحت
بأبنائكم الأوطان وقهرت بهم أعداءها، وحمت بهم وطنها الأصلي، فما رعت لكم جميلا ،
ولا كافأتكم بجميل ، بل كانت تنتصر بكم ثم تخذلكم ، وتحيا بأبنائكم ثم تقتلكم كما
وقع لكم معها في شهر مايو سنة1945م ، وما كانت قيمة أبنائكم الذين ماتوا في سبيلها
وجلبوا لها النصر، إلا أنها نقشت أسماء بعضهم في الأنصاب التذكارية، فهل هذا هو
الجزاء؟
طالبتموها بلسان الحق والعدل والقانون والإنسانية ، من أربعين سنة
، بأن ترفق بكم، وتنفس عنكم الخناق قليلا ، فما استجابت ، ثم طالبتموها بأن ترد
عليكم بعض حقوقكم الآدمية ، فما رضيت، ثم طالبتموها بحقكم الطبيعي، يقركم عليه كل
إنسان ، وهو إرجاع أوقافكم ومعابدكم وجميع متعلقات دينكم ، فأغلقت آذانها في إصرار
وعتو، ثم ساومتموها على حقوقكم السياسية بدماء أبنائكم الغالية التي سالت في سبيل
نصرها، فعميت عيونها عن هذا الحق، الذي يقرره حتى دستورها، ثم هي في هذه المراحل
كلها سائرة في معاملتكم من فظيع إلى أفظع.
أيها الإخوة الجزائريون الأبطال
لم تبق لكم فرنسا شيئا تخافون عليه، أو تدارونها لأجله ، ولم تبق
لكم خيطا من الأمل تتعللون به. أتخافون على أعراضكم وقد انتهكتها ؟
أم تخافون على الحرمة وقد استباحتها، لقد تركتكم فقراء تلتمسون قوت
اليوم فلا تجدونه؟
أم تخافون على الأرض وخيراتها وقد أصبحتم فيها غرباء حفاة عراة
جياعا ، أسعدكم من يعمل فيها رقيقا زراعيا يباع معها ويشترى، وحظكم من خيرات
بلادكم النظر بالعين والحسرة في النفس؟ أم تخافون على القصور، وتسعة أعشاركم يأوون
إلى الغيران كالحشرات والزواحف؟ أم تخافون على الدين؟ ويا ويلكم من الدين الذي لم
تجاهدوا في سبيله، ويا ويل فرنسا من الإسلام، ابتلعت أوقافه وهدمت مساجده ، وأذلت
رجاله، واستعبدت أهله ، ومحت آثاره من الأرض، وهي تجهد في محو آثاره من النفوس.
أيها الإخوة المسلمون
إن التراجع معناه الفناء. إن فرنسا لم تبق لكم دينا ولا دنيا، وكل
إنسان في هذا الوجود البشري، إنما يعيش لدين ويحيا بدنيا، فإذا فقدهما فبطن الأرض
خير له من ظهرها. و إنها سارت بكم من دركة إلى دركة، حتى أصبحت تتحكم في عقائدكم
وشعائركم وضمائركم، فالصلاة على هواها لا على هواكم، والحج بيدها لا بأيديكم،
والصوم برؤيتها لا برؤيتكم، وقد قرأتم وسمعتم من رجالها المسؤولين عزمها على إحداث
( إسلام جزائري ) ومعناه إسلام ممسوخ، مقطوع الصلة بمنبعه في الشرق وبأهله من
الشرقيين. إن الرضى بسلب الأموال، قد ينافي الهمة والرجولة، أما الرضى بسلب الدين
والاعتداء عليه فإنه يخالف الدين، والرضى به كفر بالله وتعطيل للقرآن. إنكم في نظر
العالم العاقل المنصف لم تثوروا، وإنما أثارتكم فرنسا بظلمها الشنيع وعتوها
الباغي، واستعبادها الفظيع لكم قرنا وربع قرن، وامتهانها لشرفكم وكرامتكم، وتعديها
المريع على مقدساتكم.
إن أقل القليل مما وقع على رؤوسكم من بلاء الاستعمار الفرنسي يوجب
عليكم الثورة عليه من زمان بعيد، ولكنكم صبرتم، ورجوتم من الصخرة أن تلين، فطمعتم
في المحال، وقد قمتم الآن قومة المسلم الحر الأبي فنعيذكم بالله وبالإسلام أن
تتراجعوا أو تنكصوا على أعقابكم، إن التراجع معناه الفناء الأبدي والذل السرمدي.
إن شريعة فرنسا، أنها تأخذ البريء بذنب المجرم، وأنها تنظر إليكم
مسالمين أو ثائرين نظرة واحدة، وهي أنها عدو لكم وأنكم عدو لها، ووالله لو
سألتموها ألف سنة لما تغيرت نظريتها العدائية لكم، وهي بذلك مصممة على محوكم ومحو
دينكم وعروبتكم وجميع مقوماتكم.
إنكم مع فرنسا في موقف لا خيار فيه، ونهايته الموت، فاختاروا ميتة
الشرف على حياة العبودية التي هي شر من الموت.
إنكم كتبتم البسملة بالدماء في صفحة الجهاد الطويلة العريضة،
فاملأوها بآيات البطولة التي هي شعاركم في التاريخ، وهي إرث العروبة والإسلام
فيكم.
ما كان لمسلم أن يخاف الموت، وهو يعلم أنها كتاب مؤجل، وما كان
للمسلم أن يبخل بماله أو مهجته، في سبيل الله والانتصار لدينه، وهو يعلم أنها قربة
إلى الله، وما كان له أن يرضى الدنية في دينه إذا رضيها في دنياه. اخلصوا العمل
واخلصوا بصائركم في الله، واذكروا دائما وفي جميع أعمالكم، ما دعاكم إليه القرآن
من الصبر في سبيل الحق، ومن بذل المهج والأموال في سبيل الدين، واذكروا قبل ذلك
كله قول الله: أنفروا خفافا وثقالا و جاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله ذالكم
خير لكم إن كنتم تعلمون التوبة: ٤١، وقول الله : كم من فئة قليلة غلبت فئة كبيرة
بإذن الله و الله مع الصابرين البقرة: ٢٤٩.
أيها الإخوة الأحرار
هلموا إلى الكفاح المسلح
إننا كلما ذكرنا ما فعلت فرنسا بالدين الإسلامي في الجزائر، وذكرنا
فظائعها في معاملة المسلمين، لا لشىء إلا لأنهم مسلمون، كلما ذكرنا ذلك احتقرنا
أنفسنا واحتقرنا المسلمين، وخجلنا من الله أن يرانا ويراهم مقصرين في الجهاد
لإعلاء كلمته، وكلما استعرضنا الواجبات وجدنا أوجبها وألزمها في أعناقنا، إنما هو
الكفاح المسلح فهو الذي يسقط علينا الواجب، ويدفع عنا وعن ديننا العار، فسيروا على
بركة الله، وبعونه وتوفيقه إلى ميدان الكفاح المسلح، فهو السبيل الواحد إلى إحدى الحسنين،
إما موت وراءه جنة، وإما حياة وراءها العزة والكرامة.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
عن مكتب جمعية العلماء المسلمين الجزائريين بالقاهرة
محمد
البشير الإبراهيمي والفضيل الورثلاني