الظاهرة الاجتماعية في فكر مالك بن نبي
-نقد المفاهيم والبراديغم والمنهج-
The social phenomenon in the thought of Malek Bennabi
Critique the concepts, paradigms, and Method.
أد/ عبد القادر بوعرفة
جامعة وهران2
قبل أن أتحدث
عن موضوع "الظاهرة الاجتماعية" في فكر مالك بن نبي، من خلال
تحليلها وبسطها، ثم عرض أهم الانتقادات التي ارتأيت توجيها له، يجب الحديث قبلها عن
أهم الظواهر التي اختص مالك بن نبي بدراستها، حيث كانت "الظاهرة
القرآنية" أول ظاهرة انطلق منها لفهم ودراسة الذّات الإسلامية مقارنة مع
الذّات الغربية بالخصوص، التي أراد بواسطة القول بأن القرآن الكريم يُمثل حقلا
معرفيا يجب إعادة دراسته من جديد، وبأدوات الحاضر، فكلما قُرأ القرآن قراءةً
علميةً جديدةً تجلت للأمة قيمه المخزونة، وتَكشَّفت كنوزه المخفية.
يريد بأبسط العبارات وأقصر الجمل القول بأنه مثلما
انطلقت الحضارة الإسلامية الأولى من كلمة "اقرأ" القرآنية فإنه
يتحتم على الحضارة الإسلامية في دورتها الثانية أن تنطلق من القرآن ذاته ومن الآية
نفسها. إن هدف بن نبي من "الظاهرة القرآنية"
هو تجديد الصلة بكتاب الله، وفق رؤية معاصرة للقرآن الكريم، وقد حدد هو نفسه ذلك
في قوله: " وهو منهج يحقق من الناحية العملية هدفاً مزدوجاً هو:
1 - أنه يتيح للشباب المسلم فرصة التأمل الناضج في الدين.
2 - وأنه يقترح إصلاحاً مناسباً للمنهج القديم في تفسير
القرآن.
وهذه المهمة
وتلك ترجعان إلى أسباب مختلفة، يتصل بعضها بالتطور الثقافي الذي حدث في العالم
الإسلامي بصورة عامة، وبعضها يرجع إلى عنصر آخر، يمكن أن نسميه (تطور نظرتنا في
مشكلة الإعجاز) بصورة خاصة."[i]
إن كتاب "الظاهرة القرآنية"
جعله مالك بن نبي مدخلا لتغيير الواقع الحضاري المنتكس للعالم الإسلامي، وأراد من
خلاله الوصول إلى أمرين رئيسين، الأول هو تنوير المسلم بالمخزون القرآني
القيم والثمين، الذي دفنته التفاسير القديمة، وسُيّج في كثير من الأحيان بالخرافات
والإسرائيليات، وأصبح القرآن كتاباً مهجوراً وإن كان مقروءا، لأن قراءة القرآن دون
تدبر لمعانيه وعدم العمل بمقتضاه هو هَجر للقرآن هُجرانا كبيرا. والأمر الثاني هو تثوير
الذّات المسلمة بعد تنويرها لتُحدث الانقلاب التّاريخي للمرة الثانية بعد ما أحدثه
النّبي (ص)، يقول مالك: "ومن المعلوم أن كل مجتمع يحتوي مشكلة أفكار دارجة
محرك الجماهير، كما يحتوي مشكلة أفكار علمية تخص المثقفين، وكما أن هذه تحدد لدى
القادة والعلماء حلولا نظرية لبعض المشكلات، فإن تلك تحدد السلوك العملي للجماعات
إزاء هذه المشاكل التي تصادفهم في الحياة، ففي العالم الإسلامي توجد الآن طبقة
مثقفة مقتنعة بحركة الأرض، ولكن هناك جمهورا كبيرا من الدّراويش، وشعبا من الجهال
من كل نوع يصر على اعتقاده (بأن الأرض ساكنة تحملها العناية على قرن ثور). وهذه
الفكرة الدارجة قد تؤثر في توجيه التاريخ أكثر من الفكرة العلمية، لأنها
تستند إلى خُرافة مفسر غير موفق يرى الأرض على قرن ثور."[ii]
تعتبر الظاهرة القرآنية أول محطة دشنها
مالك بن نبي في معركته الحضارية ضد جبهتين، أولهما جبهة إنسان ما بعد الموحدين،
والذي تحول بعد خروجه من الحضارة إلى مجرد كتلة من اللّحم تتحرك في أزقة الماضي
السحيق، فأهملت حاضرها، وغفلت عن التفكير في مستقبلها، فأصيبت بسبات حضاري رهيب،
والذي حوّل العلوم الدينية إلى علوم ميّتة. وثانيها جبهة الاستحمار الغربي
بالخصوص، والذي يريد أن يحافظ على الوضع كما هو، وأن يُطيل زمن السُّبات.
ومن أهم الظواهر التي تعرض لها أيضا الظاهرة
الاقتصادية، والتي تحدث عنها في كتاب "المسلم في عالم الاقتصاد"،
قدم بعمق الكيفية والطرق التي يجب أن يتعامل بها المسلم في القرن العشرين مع
"عالم الأشياء"، ذلك أن الاقتصاد (المُعاش) له دورٌ كبيرٌ في
بناء المجتمعات والدول، من خلال توفير عالم الأشياء الذي يحتاجه عالم
الأشخاص بعد أن اكتسب عالم الأفكار.
وسنركز في هذه الدّراسة على دراسة "الظاهرة
الاجتماعية" دراسة نقدية، إيمانا منا بأن مالك بن نبي يجب حين
دراسته أن نتجاوز مقامات التقريظ والمدح، وأن نتجاوز مقامات العرض والبسط، لأن
مالكاً عاش لحظة تاريخية انقضت ومضت، وهو ذاته كان يكره أن يتحول المفكر والزعيم
إلى وثن. إن الكاتب لن يخلد اسمه إلا بالنقد: "إن الكَاتبَ لا يحي ولا
يُخَلَّدُ إلا من خلال القراءة النّقدية التّجاوزية، فكلما كثر النّقد لنصه كثرت
مجالات تواجده واستمرار حياته المعنوية."[iii]
[i] - بن نبي، مالك، الظاهرة
القرآنية، تر: عبد الصبور شاهين، دار الفكر المعاصر، بيروت، لبنان، ط4، 1987،
ص ص: 53، 54.
[ii]
-
المصدر نفسه، ص: 58.
[iii]
-
بوعرفة عبد القادر وآخرون، تأملات في فكر مالك بن نبي، دار القدس العربي،
الجزائر، ط1، 2014، ص:31.