تحدث مواطن فقال:
منذ أكثر من شهر
وأنا أتردد على محكمة السّانية لأجل استخراج جنسية لأبني إياد بغية استخراج جواز
سفره. وكل مرة أقف في الطابور أنتظر دوري .... وكالعادة دائما المُكلف
بتسليم الجنسية متجهم الوجه، مُكفهر السحنة، يشخط في الكبير والصغير، وأحيانا
يتعمد إهانة النساء والعجائز، ويتلفظ بألفاظ نابية ك " أيا
هبلتوني...." "أيا باغي نقعد معاكم غير انتما" " وجعتو
لي راسي" ..... وكان يردد عبارة حفظتها من كثرة التردد عليه: " مازال ما
هيش واجدة ... وَلِي غدوة ولا بعد غدوة" أي "لم يتم استخراجها بعد
... عد بعد أيام" وكنت كل مرة أعود .... والجواب نفسه والحال ذاته.
في يوم 14 نوفمبر
قررت أن أستفسر عن الأمر .... مررت به أولا وسألت .... كان الجواب نفسه، ولم يُكلف
نفسه النظر في وجهي .... ولم يكلف نفسه أيضا النظر في الملفات الموجودة
عن يمينه وخلفه. كان بجانبي شابين غاضبين، أفرغ غضبهما بالتنكيت، وكل مرة يُقِرَان
بأن العيش بالبلد أصبح مرا ومُحالا، وكان أحدهما يخاطب صاحبنا ....: أعطني
الجنسية والله لن تراني مجددا .... سيأكلني الحوت أو أعبر سالما إلى هناك... حينها أكون قد
تخلصت منكم ومن إرهابكم الإداري، كرهتونا في البلاد ... الله لا يربحكم ....
لم يجب الرجل كان يفلي الملف بحثا عن شهادة الجنسية لامرأة
يعرفها.
بجانبي وقف شيخ قد أنهكته الأيام، وأتعبته الحوادث،
سألني: كم مر على طلبك للجنسية؟؟ قلت: أكثر من شهر... ضحك: وقال: أنا تجاوزت الشّهرين...
وكل مرة يقول لي الجواب نفسه.
حينها قررت الدخول على مسؤول مصلحة الجنسيات،
كان شابا وسيما وخلوقا، على عكس الأول تماما، وكان غارقا في العمل حتى أذنيه،
ملفات كالجبل أمامه ... وما أحزنني أنه تم حشره مع موظفات في غرفة لا تصلح
للعمل، الجدران متأكلة، وضيق المكان، وقلة الموظفين، لقد علمت من خلال حديثه
أن محكمة السانيا لا يمكنها أن تلبي طلبات ألاف الموطنين نظرا لكثرة الطلب وقلة
الموظفين.... قدمت له بطاقة العضوية وأخبرته عن مشكلتي مع الجنسية
التي مر عليها أكثر من شهر ..... أدخل اسم إبني في الحاسوب .... من كثرة الغضب
الذي انتابني أعطيته اسم ابني الأكبر بدل ابني الأصغر .... لم يجد الملف ....
بعدها تذكرت .... قلت اسمح لي .... إياد وليس أيمن .... نظر إلى معاتبا: أنت لم
تستطع التثبت من اسمك ابنك ... فما حالنا نحن وقد استقبلنا أكثر من 3000 طلبا في ظرف
وجيز ...؟؟؟؟
وبعد أن أدخل المعلومات: قال لي شهادة تم توقيعها يوم 23
أكتوبر ..... قلت له: ولكن المُكلف بتسليمها كل مرة يؤكد أنه لم تجهز بعد؟؟؟
قال: لديه ثلاث ملفات كبيرة الحجم خاصة بحرف "
الباء"، ومن الممكن أنه تعذر عليه البحث .... كما أن البحث فيها يستغرق أكثر من ساعة.....
ثم سرد لي جملة من المشاكل .... وكان محقا .... أيعقل في
عصر التكنولوجيا والسرعة أن الإدارة الجزائرية لازالت تطلب وثائقَ لم يصبح لها أي
دور مفيد .... أعطاني مثلا .... رجل من مواليد 1925 لديه بطاقة تعريف وطنية (خضراء
السابقة) وأراد استبدالها بالبيومترية .... طلب منه ملفا .... بينما المنطق
والتسهيلات تفرض أن يُقدم على الأقل شهادة ميلاد فقط
......
طلب مني الجلوس ريثما يستخرج لي شهادة جنسية
جديدة .... وبالفعل تم الأمر ... شكرته ووعدته بأن أقدم لمن أعرف من المسؤولين في القطاع عما
تعيشه محكمة السانيا من ضيق المكان وقلة المرافق وشح الموارد البشرية ....
وأنا خارج مررت بصاحبنا .... نظر إلى وقال لي ماذا تريد...؟؟؟ أريته
شهادة الجنسية وقلت له تم إنجازها منذ 23 أكتوبر .... وأنت في كل مرة تدعي أنها
لم تجهز بعد .... ارتبك .... وقال من أين استخرجتها ...؟ قلت: له من الداخل .... قال:
لم تسلم لي.... بنبرة استهزاء .... قلت جئت إليك أكثر من أربع مرات وأنت
تردني دون التأكد ... بحجة إضراب القضاة
....
قال لي: أيَّا أمشي يَا خِي عباد ..... حينها غضبت من
تصرفه الأرعن، قلت له: اسمع احترم نفسك واحترمني كمواطن لي كامل الحق.
رد على بإشارة من يده تدل على التأفف
والتململ وعدم الاكتراث، حينها قلت له: احترم نفسك ... أنا مواطن وإطار سام في
الدولة.... وأريته بطاقة العضوية .... والتي كانت تحمل عبارة (على السلطات المدنية
والعسكرية أن تسمح لحامل هذه البطاقة بالمرور الحر في كل الحالات مع تقديم
المساعدة له) .... ربما لم
يلق لها بالا، ولم يرمقها بنظرة، والدليل أنه اعتبرها بطاقة محاماة .... لوح بيده:
قائلا: روح تمشي بالكارتا انتاعك ... عدت إليه بعد أن تمادى في الأمر ....
اعترض طريقي شرطي وقال لي: انصرف يرحمك الله وأمره بالدخول ..... وبعد هذه
المناوشة الكلامية خرج الشاب المسؤول ... وراح يهدأ الوضع .... قال لي: سلمتك
الشهادة فلما الغضب؟ قلت له لم أغضب، فقط أردت أن أعلمه ضرورة احترام المواطن ....
قال لي: هذا من أحسن العمال لدينا .... قلت: بالعكس لم أر فيه ذلك ... وقد ترددت
عليه أكثر من أربع مرات .... عليه أن يحترم المواطن مهما كان وضعه وصنفه
وجهته.... قال لي ضابط الشرطة: أنت تُهدده .... وهذه جنحة ... قلت: لم أهدده أبدا
.... وبما هددته؟؟؟ بل العكس تماما هو من أجرم في حقي .... ضيع وقتي، وأفسد
مصالحي، وعطل سفري، ثم تهكم وتهجم على
...
دخل مقصورته ليمارس هوايته المفضلة تعذيب المواطن، وخرجت
أنا حاملا هموم كل مواطن تعيس.
زمن أرعن يأن تحت وطأته القاسية المواطن،
يضيع من عمرك وقتا ثمينا من أجل أن يستخرج وثيقة ... كان من الواجب على حكومة تدعي
الفورية والاقتصاد في الوثائق أن تعمل على أن تُسحَب تلك الوثيقة في اليوم نفسه،
حتى لا أقول في الساعة ذاتها.
الخميس 14 نوفمبر 2019م. الساعة الرابعة
والنصف.